لقد كان للجيش المصري في “هبة” عرابي -يطلق عليها أيضاً هوجة عرابي- دورا بارزا في أول محاولة جادة لبناء دولة معاصرة حديثة تتخلص من سوءات حكم أسرة محمد علي وتؤسس لحياة ديمقراطية سليمة.
وقد فشلت لأسباب كثيرة، أبرزها الضعف الهيكلي للجيش نفسه، وترتب علي ذلك أيضا مصيبة لمصر بالاحتلال الإنجليزي الذي استمر لما يزيد على سبعين عاما.
ثم كانت “الحركة المباركة” -التي أطلق عليها فيما بعد ثورة يوليو – عام 1952 ، التحرك البارز الثاني للجيش المصري كي ينهي حكم أسرة محمد علي الأجنبي، ويزيل آثار هزيمة عرابي بزوال الاحتلال البريطاني.
وفي يونيو 1967، حاقت الهزيمة القاسية بالجيش المصري، وظهرت علامات لتصدع القيادة وانقسامها، وحاول قائد الجيش، المشير عامر استغلال وضعه الخاص، وحب القوات له كي يحسم الصراع علي السلطة لصالحه، ولكن نجح عبد الناصر بنفوذ الرئاسة وزعامته الشعبية أن يكلف الفريق محمد فوزي بالقضاء على تلك المحاولة التي لو كانت قد استمرت لهددت كيان الدولة في حرب أهلية لسنوات طويلة، وهنا يمكن القول إن الجيش نفسه أنقذ الوطن والنظام من سطوة سلطة الجيش.
وفي مايو 1971، كان للجيش المصري موقفا مهما، حين بدى أن هناك صراعًا على السلطة، تحاول فيها مراكز القوي أن تسيطر علي رئيس الدولة، ورغم أن أبرز تلك المراكز كان وزير الحربية الشهير محمد فوزي، إلا أن الجسد الرئيسي للجيش بقيادة رئيس الأركان محمد صادق رفض تورط الجيش في السياسة، خاصة وسيناء لا تزال تحت الاحتلال الصهيوني، ويجمع المحللون علي أن موقف الجيش المصري في ذلك الصراع كان حاسما في الدفاع عن الشرعية القائمة.
وفي أكتوبر 1981، اغتيل الرئيس السادات في عرض عسكري، وساد الغموض والقلق لساعات طويلة تخوفا من احتمالات انقلاب عسكري، ولكن المشير أبو غزاله لم يدع أي فرصة لاستمرار التكهنات، ووقف الجيش تحت قيادته مع “الشرعية” التي كان يمثلها آنذاك نائب رئيس الجمهورية حسني مبارك، الذي أعلن في البداية أنه عازف عن السلطة، ولا يزمع البقاء إلا لفترة رئاسية واحدة.
وفي فبراير 1986، كادت مقولة مبارك بالاكتفاء بفترة رئاسية واحدة تتحقق حين انفجر تمرد الآلاف من قوات الأمن المركزي، ووفقا لمذكرات كمال الجنزوري رئيس الوزراء آنذاك، أخبره المشير أبو غزالة أن الرئيس متردد في تكليف الجيش بالقضاء على حالة الفوضى، ربما خشية أن ينزل الجيش ولا يعود لثكناته بعد ذلك، مع ما كان يتردد من المنزلة الكبيرة لأبو غزالة في نفوس مرؤسيه، وفي النهاية اضطر مبارك لطلب نزول الجيش إلى الشوارع، وسادت حالة القلق حول الاحتمالات وقد أصبح للجيش السيطرة الكاملة، صورها الجنزوري في كتابه حين ذكر أن أحد قادة الجيش قال للمشير: “خلصنا منه بقي يا فندم” -يقصد التخلص من الرئيس-، ولكن أبو غزالة رفض بحسم وقال للقائد إنني لو فعلت ذلك، سيأتي يوم يفعلها معي ضابط آخر!!-علة حد ما ذكره الجنزوري-.
وفي 12 فبراير 2011 ، وفي ظل ثورة جامحة زلزلت المجتمع المصري، اضطر مبارك إلي التنحي مخليا مكانه للجيش كي يتولى إدارة الأمور، واستمر المجلس الأعلى للقوات المسلحة في الحكم حتى سلم القيادة للرئيس المنتخب محمد مرسي، بما مثل حينها موقفا متميزا للجيش، يرد على كل الإشاعات التي ذاعت بعدم رغبته في التخلي عن الحكم.
وفي 30 يونيو 2013، تمت إزاحة الرئيس مرسي عن الحكم، وشاركت قيادة الجيش في وضع خارطة طريق، وتولي رئيس المحكمة الدستورية العليا مقاليد الحكم بشكل مؤقت، حتي يتم انتخاب رئيس جديد.
وفي 2014 تم انتخاب وزير الدفاع الذي استقال من منصبه للترشح مدنيا رئيسا للجمهورية.