أعلن الفاتيكان اليوم الخميس عن انتخاب الكاردينال الأمريكي روبرت فرنسيس بريفوست بابا للفاتيكان وزعيمًا للكنيسة الكاثوليكية، خلفًا للبابا السابق.
وقد اختار البابا الجديد اسم ليون الرابع عشر.
دخان أبيض يغيّر وجه العالم
الساعة لم تكن قد تجاوزت الخامسة مساءً بتوقيت روما حينما تصاعد الدخان الأبيض من مدخنة كنيسة سيستينا الشهيرة، مشيرًا إلى اتفاق الكرادلة على شخصية البابا رقم 267 في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية.
وبحسب القواعد الصارمة للمجمع المغلق “الكونكلاف”، تطلّب الأمر الحصول على ثلثي أصوات الكرادلة الـ133، أي ما لا يقل عن 89 صوتًا.
وفي لحظة فارقة، تعالت الهتافات والدموع من ساحة القديس بطرس بروما، واختلطت مشاعر الذهول والفرح، حيث ظهر البابا الجديد ليُلقي كلمته الأولى من شرفة البازيليكا، موجهًا تحية للعالم بكلمات بسيطة ولكن ذات وقع بالغ: “صلوا من أجلي، لنصنع السلام معًا”.
من هو بابا الفاتيكان الجديد؟
ولد روبرت فرنسيس بريفوست عام 1955 في شيكاغو بالولايات المتحدة، وهو من الرهبنة الأوغسطينية، ويُعرف عنه الاعتدال والانفتاح الثقافي، إلى جانب خلفيته الفلسفية واللاهوتية.
وعمل لسنوات في أمريكا اللاتينية، خاصة في بيرو، حيث خدم ككاهن وأسقف، ما منحه خبرة فريدة في شؤون الجنوب العالمي، وهي إحدى النقاط الساخنة التي تهتم بها الكنيسة الكاثوليكية الحديثة.
اقرأ أيضًا: في جنازة بابا الفاتيكان حضر العالم وغابت إسرائيل.. فتش عن الصراع اللاهوتي
ويحمل بريفوست شهادة الدكتوراه في اللاهوت من جامعة “لوفين” البلجيكية، وقد تولّى رئاسة مجمع الأساقفة بالفاتيكان عام 2023، ليُصبح بعد عامين فقط المرشح الأوفر حظًا لخلافة البابا فرانسيس، خاصة بعد تدهور صحة الأخير.
لماذا اسم “ليون الرابع عشر”؟
اختيار اسم البابا له رمزية خاصة في تاريخ الفاتيكان، فالاسم “ليون” ارتبط بباباوات القوة والحزم، وأبرزهم ليون الأول، الذي واجه زحف الهون في القرن الخامس، وليون الثالث عشر الذي أرسى أسس العلاقات الحديثة بين الكنيسة والعالم الصناعي.
يعكس اسم “ليون الرابع عشر” -بحسب المراقبين- رغبة في العودة إلى التقاليد الكلاسيكية للكنيسة، دون تجاهل الحاضر، بل عبر مقاربة أكثر توازنًا بين الإيمان والعمل الاجتماعي.
كيف يُنتخب بابا الفاتيكان الجديد؟
تخضع عملية انتخاب بابا الفاتيكان الجديد، لقواعد صارمة ومعقدة تعود بجذورها إلى العصور الوسطى، وتُعرف باسم “الكونكلاف”، وهي كلمة لاتينية تعني “بالمفتاح”، في إشارة إلى السرية التامة التي تفرض على الكرادلة حتى يُحسم الاختيار.
يجتمع الكرادلة الناخبون -وعددهم في هذه الدورة 133- داخل كنيسة سيستين، ويبدؤون يومهم بقداس في كنيسة القديسة بولين، قبل الانتقال إلى جلسات التصويت المتتالية، والتي يمكن أن تصل إلى أربع جولات يوميًا.
في كل جولة، يُكتب اسم المرشح على بطاقة ورقية تُطوى وتُلقى في إناء فضي، ثم تُحسب الأصوات.
وإذا لم يتم الوصول إلى الثلثين، تُحرق البطاقات مع مادة كيميائية تُصدر دخانًا أسودًا، في إشارة إلى أن البابا لم يُنتخب بعد، أما الدخان الأبيض، فهو الإشارة المنتظرة عالميًا إلى نجاح التصويت.
احتشاد الآلاف في ساحة القديس بطرس
منذ الساعات الأولى لصباح الخميس، احتشد الآلاف في ساحة القديس بطرس، حاملين الأعلام، واللافتات، ومرددين الصلوات، الشاشات العملاقة كانت تنقل لحظة بلحظة وقائع المجمع المغلق، بينما تسللت الكاميرات إلى الوجوه المتأملة، الحائرة، المبتهلة.
اصطفت حشودٌ غفيرة على جانبي شارع فيا ديلا كونشيلاتسيوني، بينما كانت الأبواق تدوي احتفالًا بمجرد ظهور الدخان الأبيض، وكانت لحظة درامية حقيقية تُعيد للأذهان مشاهد سينمائية ولكن بحضور واقعي وإنساني بالغ.
صورة البابا فرنسيس بريفوست
في لحظة رمزية، نشرت وسائل إعلام ألمانية أول صورة للبابا الجديد روبرت فرنسيس بريفوست بعد انتخابه، وهو يرتدي الثوب الأبيض التقليدي، ويقف مبتسمًا من خلف نافذة القصر الرسولي.
وقد اعتبر مراقبون أن هذه الصورة، رغم بساطتها، تعكس روح انفتاح جديدة للفاتيكان، في ظل قيادة أميركية على رأس الكنيسة الأكبر في العالم.