تتجدد التساؤلات في عيد الأضحى حول طريقة نحر الأضحية وفقًا للأحكام الشرعية والسنن النبوية.
حيث يعتبر هذا النسك من أعظم شعائر الإسلام التي تُقرب العبد من ربه، وتُعزز قيم التضحية والتكافل الاجتماعي.
ولأن أداء هذه الشعيرة لا يقتصر على الذبح فحسب، بل يشمل عدة آداب وسلوكيات شرعية، نقدم هذا التقرير لتوضيح طريقة ذبح الأضحية خطوة بخطوة، مع مراعاة الجوانب الشرعية والبيئية والصحية.
مفهوم الأضحية في الإسلام
الأضحية هي ما يُذبح من بهيمة الأنعام (الإبل، البقر، الغنم) في أيام النحر، تقربًا إلى الله تعالى، وهي سنة مؤكدة عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، لما ورد في حديث أنس رضي الله عنه: “ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين، ذبحهما بيده، وسمى وكبر، ووضع رجله على صفاحهما” (رواه البخاري ومسلم).
طريقة نحر الأضحية: الشروط والخطوات
لكي تكون الأضحية صحيحة ومقبولة، يشترط اتباع خطوات شرعية دقيقة تبدأ باختيار الأضحية وتنتهي بطرق توزيع لحمها، وتشمل ما يلي:
1. التأكد من سلامة الأضحية
أول خطوة في طريقة نحر الأضحية هي اختيار أضحية خالية من العيوب. وقد حدد الشرع صفات الأضحية المقبولة، ومنها أن تكون:
خالية من الأمراض.
لا تكون عوراء بيِّن عورها، ولا مريضة بيِّن مرضها.
لا تكون عرجاء بيِّن عرجها، ولا هزيلة لا مخ فيها.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “أربع لا تجوز في الأضاحي: العوراء البيّن عورها، والمريضة البيّن مرضها، والعرجاء البيّن ظلعها، والعجفاء التي لا تنقي” (رواه أبو داود والترمذي).
2. توجيه الأضحية نحو القبلة
من السنة توجيه الأضحية نحو القبلة عند النحر، لما ورد عن عبد الله بن عمر: “أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذبح الأضحية مستقبل القبلة”.
3. عدم إظهار السكين للأضحية قبل النحر
من آداب الرحمة بالحيوان، أن لا يرى السكين قبل الذبح، وهو ما أكد عليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: “إذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته” (رواه مسلم).
4. التسمية والتكبير عند النحر
شرط أساسي في طريقة نحر الأضحية أن يُذكر اسم الله عند الذبح، فيقال: “بسم الله، والله أكبر”، وهو ما دلت عليه الآية الكريمة:
“فكلوا مما ذُكر اسم الله عليه إن كنتم بآياته مؤمنين” [الأنعام: 118].
5. عدم نحر الأضحية أمام أخرى
من آداب النحر ألا تتم العملية أمام أضحية أخرى حتى لا تشعر بالخوف أو القلق، وهو ما يدخل في باب الإحسان والرفق بالحيوان.
6. عدم جر الأضحية بعد الذبح
بعد النحر، يُستحب ترك الأضحية إلى أن تسكن، ولا يجوز جرّها وهي لا تزال تتحرك، فهذا يتنافى مع الرحمة والأدب.
7. التعامل مع مخلفات النحر بطريقة مسؤولة
ينبغي عدم ترك مخلفات الأضحية في الطرقات أو الشوارع، لما في ذلك من أذى بيئي وضرر بالصحة العامة، خاصة في المناطق السكنية.
وتؤكد وزارة البيئة والصحة سنويًا على ضرورة استخدام أكياس مخصصة وتجميع المخلفات في أماكن محددة، والامتناع عن الذبح العشوائي خارج المجازر.
نحر الإبل: طريقة خاصة ومميزة
أما في حالة نحر الإبل، فتختلف الطريقة قليلًا، حيث تُنحر وهي واقفة معقولة اليد اليمنى، وتُوجَّه أيضًا نحو القبلة، ويُستحب أن تُذبح في اللبة (أسفل العنق)، مع التسمية وذكر الله.
وقد ورد في القرآن الكريم قوله تعالى:
“فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر” [الحج: 36].
ويستحب أن يباشر صاحب الأضحية الذبح بنفسه إن استطاع، اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم، أو يوكل من يثق في علمه وورعه.
متى يبدأ وقت ذبح الأضحية؟
يبدأ وقت الذبح بعد صلاة عيد الأضحى مباشرة، ويستمر حتى غروب شمس اليوم الثالث من أيام التشريق (رابع أيام العيد).
ومن ذبح قبل الصلاة فلا تعد أضحيته صحيحة، لحديث البراء بن عازب: “من ذبح قبل الصلاة فإنما هو لحم قدمه لأهله، وليس من النسك في شيء” (رواه البخاري ومسلم).
توزيع لحم الأضحية: سنة اجتماعية وإنسانية
يُستحب تقسيم لحم الأضحية إلى ثلاثة أثلاث:
ثلث لصاحب الأضحية وأهله.
ثلث يُهدى للأقارب والجيران.
ثلث يُتصدق به على الفقراء والمحتاجين.
ويجوز التوزيع مطبوخًا أو نيئًا، بحسب حاجة الناس، مع التأكيد على إدخال السرور في قلوب المحتاجين.
بيئة نظيفة وأضاحي شرعية
في السنوات الأخيرة، دعت العديد من الهيئات الحكومية والبيئية إلى تنظيم عملية الذبح داخل المجازر المعتمدة، حفاظًا على الصحة العامة ومنع انتشار الروائح والجراثيم.
كما أُطلقت حملات توعية عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل لتعليم الناس طريقة نحر الأضحية الشرعية والسليمة، بعيدًا عن الذبح العشوائي والعادات غير المنضبطة.
خاتمة
إن معرفة طريقة نحر الأضحية بشكل صحيح لا يقتصر فقط على الجانب الفقهي، بل يشمل قيمًا إنسانية وبيئية واجتماعية مهمة.
الأضحية ليست مجرد شعيرة، بل رسالة رحمة وتكافل، وتجديد لعهد الإيمان والطاعة لله عز وجل.
فليكن هذا العيد مناسبة نُحيي فيها سنن الإسلام بروح المسؤولية، وننشر الخير بين الناس.