ربما لم يعلم الصيدلي هنري نستلة عندما طوّر طعاما خاصا للرُضّع ممن لا تقدر أمهاتهم على إطعامهم في 1860 أن شركته التي سميت بلقبه، ستمارس في ظل العالم اليوم ازدواجية في المعايير بحرفية بالغة وفظاظة لا مثيل لها في بلاد العالم الثالث.
شركة نستلة
تنتج شركة “نستلة”، أغذية للأطفال، ومواد صحية، ومياه معبأة، وحبوب إفطار، وقهوة وشاي، وحلويات، ومعلبات ألبان وآيس كريم، وأطعمة مجمدة، ونظيرها للحيوانات الأليفة، ووجبات خفيفة، بعلامات تجارية معروفة عالميا والتي تمتلكها، مثل حليب نيدو ونسكويك ومياه بيور لايف وسيريلاك وكورن فليكس وكواليتي ستريت وكوفي ميت وكتكات ونسكافيه وفريسكيز وماجي وسمارتيز ونسبريسو وفيتيل.
ولكن، هل تلتزم “نستلة” بالمعايير التي تجعلها في مرتبة تسمح لها باحترام نفسها قبل مستهلكيها؟
يعتبر أن ما تمارسه “نستلة”، بمثابة شكل من أشكال الاستعمار لا ينبغي التسامح معه، بينما يعد مخالفة لإرشادات منظمة الصحة العالمية التي تمنع إضافة السكر لمنتجات غذاء الأطفال دون سن الثالثة، لتسببه في ارتفاع معدل السمنة بصورة هائلة لدى أطفال الدول الفقيرة، وتطوير تفضيل الأطفال للمنتجات السكرية مدى الحياة.
ما القصة؟
أجرت شبكة العمل الدولية لأغذية الأطفال فحصا في معامل بلجيكية، لنحو 150 منتجا لـ”نستلة” يتم بيعها في البلدان الفقيرة، وتبين احتواء عينات سيريلاك للأطفال ما بين 6 أشهر حتى عامين على نحو مكعب سكر تقريبا، في حين تبين احتواء حليب نيدو المجفف للأطفال من عمر سنة فما فوق على نحو جرامين سكر في المتوسط في كل عبوة، بينما ترفع الشركة نسبة السكر إلى 5.3 جرام تقريبا في العبوات التي يتم بيعها في بنما.
تحقيق بالتلاعب
أجرت منظمة Public Eye السويسرية بالتعاون مع شبكة العمل الدولية لأغذية الأطفال تحقيقا اتهم فيه الشركة بالتلاعب في مكونات حليب الأطفال الرضع وازدواجية المعايير بين البلدان الفقيرة أو النامية ونظيرتها الغنية أو الأوروبية، عبر إضافة كميات ضخمة من السكر والعسل لمكونات حليب الأطفال الرضع كـ”نيدو وحبوب سيريلاك” في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل (من بينها مصر)، في حين أنها تبيع ذات المنتجات بدون تلك المواد في الأقطار الأخرى أو في بلدها الأم، حفاظا على صحة الأطفال.
لم تنته فضائح “نستلة” منذ عقود، ولكن الأزمة الكبرى أن شركة المياه المعدنية الأولى بالعالم اعترفت في 2021 بأنها أبلغت السلطات الفرنسية باستخدام معالجات محظورة بالأشعة فوق البنفسجية ومرشحات بالكربون المنشط ببعض مياهها المعدنية للحفاظ على سلامتها الغذائية، بينما لم تحدد الشركة إلى الآن تاريخ التوقف عن العمل بتلك المعالجات المحظورة!
تقنية غير قانونية
وما زالت تواجه الشركة السويسرية العملاقة فضائح مستمرة، تتعلق بمياهها الخاصة بها، بينما حققت السلطات الفرنسية في طرق التنقية غير القانونية التي تستخدمها عبر علامتها التجارية “برييه” والتابعة لـ”نستلة”.
لذلك أصدرت الحكومة الفرنسية ووكالة الصحة العامة أمرا لـ”برييه” بتدمير مليوني زجاجة من مياهها الفوارة بعد تقارير تفيد بأن المياه ملوثة ببكتيريا البراز!
أين دور الرقابة
ربما يأتي السؤال البرلماني الذي تقدمت به النائبة سناء السعيد، الأمس، لوزيري التموين والصحة، حول الرقابة على منتجات شركة نستلة للصناعات الغذائية للأطفال، كطوق نجاة يمكن من جرّاءه تفسير بعض الأمور الغامضة.
بعدما أشارت التقارير إلى الأضرار الصحية الكبيرة التي تسببها إضافة المُحليات لألبان الأطفال والمنتجات الغذائية الأخرى، في حالة سُبات من أجهزة الرقابة الغذائية وحماية المستهلك في تلك المواد ومضاهاتها بنظيرتها بالدول الأوروبية، ونخشى أن يكون في الأمر مسؤول كبير لا يُسأل عما يفعل.