وفاة فتح الله غولن تُسدل الستار على حياة مثيرة للجدل: نظرة متعمقة في حياة الداعية التركي
في 20 أكتوبر 2024، توفي الداعية التركي فتح الله غولن عن عمر يناهز 83 عامًا، تاركًا وراءه إرثًا سياسيًا ودينيًا حافلًا. كان غولن شخصية مثيرة للجدل، حيث تميزت حياته بالصراعات والتأثيرات الكبيرة على الساحة التركية والدولية. عاش غولن سنواته الأخيرة في الولايات المتحدة بعد مغادرته تركيا في 1999، حيث استقر في ولاية بنسلفانيا بعيدًا عن وطنه، لكنه بقي محط اهتمام عالمي بفضل تأثير حركته “خدمة”. وفاته جاءت لتُغلق فصلاً معقداً من تاريخ تركيا الحديث، حيث لا تزال حكومته وحركته تثيران الجدل.
في هذا المقال، نستعرض أهم جوانب حياة غولن، بما في ذلك علاقته بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وحركته “خدمة”، بالإضافة إلى تفاصيل وفاته وتأثيره الواسع النطاق على العالم الإسلامي.
من هو فتح الله غولن؟
وُلد فتح الله غولن في 27 أبريل 1941 في قرية صغيرة بمحافظة أرضروم التركية. نشأ في عائلة متدينة وتلقى تعليمه في المدارس التقليدية التي كانت تركز على العلوم الدينية. في شبابه، تأثر بفكر المفكر الإسلامي سعيد النورسي، الذي كان له تأثير كبير على فلسفته الفكرية والدينية. بدأت مسيرة غولن كداعية إسلامي، حيث نادى بالتعليم ونشر القيم الإسلامية بأسلوب حداثي.
أسس غولن حركة “خدمة”، وهي شبكة واسعة من المدارس والمؤسسات التعليمية التي تسعى لنشر ما يُسمى بـ “الإسلام الاجتماعي الحداثي”. مع مرور الوقت، تحول غولن إلى شخصية مؤثرة على الساحة السياسية التركية، وحظي بشعبية كبيرة بين الفئات المتعلمة والمتوسطة.
أسباب وفاة فتح الله غولن
في أكتوبر 2024، أعلنت وسائل الإعلام عن وفاة غولن إثر مضاعفات متعلقة بالشيخوخة. كان يعاني من مشاكل صحية لسنوات عدة، الأمر الذي أثر بشكل كبير على نشاطه في السنوات الأخيرة. بوفاته في منفاه بالولايات المتحدة، ازدادت النقاشات حول إرثه، إذ عبر محبوه عن حزنهم العميق لفقدان شخصية دينية متميزة، فيما أطلق معارضوه موجة من الجدل حول دوره في السياسة التركية والعالم الإسلامي.
على الرغم من رحيله، تبقى حركة “خدمة” التي أسسها مستمرة في العمل عبر شبكتها الواسعة من المؤسسات التعليمية في أكثر من 160 دولة حول العالم.
علاقة فتح الله غولن برجب طيب أردوغان
كانت علاقة غولن بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان معقدة ومليئة بالتقلبات. في بداية الألفية، كان غولن داعمًا لحكومة أردوغان عندما صعد إلى السلطة في أوائل العقد الأول من القرن الحالي. ولكن مع مرور الوقت، تدهورت هذه العلاقة تدريجيًا حتى وصلت إلى مرحلة العداء العلني في عام 2013.
خلافهما بدأ بعد فضيحة فساد تورطت فيها شخصيات مقربة من أردوغان، بما في ذلك نجله بلال أردوغان. اتهم أردوغان حركة “خدمة” بمحاولة بناء دولة موازية داخل تركيا والتآمر للإطاحة بالحكومة. وصلت هذه التوترات إلى ذروتها في 2016، عندما اتهمت الحكومة التركية غولن بالتخطيط لمحاولة الانقلاب الفاشلة. رغم نفيه المتكرر لهذه الاتهامات، واصل النظام التركي اتهام غولن وحركته بالوقوف خلف الانقلاب.
حركة “خدمة” وتأثيرها العالمي
حركة “خدمة”، التي أسسها غولن، تُعد من أكبر الحركات الإسلامية التعليمية في العالم. تقوم على نشر التعليم وتعزيز الحوار بين الثقافات والأديان، وتمتد نشاطاتها لتشمل مؤسسات تعليمية في أكثر من 160 دولة. الحركة تعزز فكرة أن التعليم هو أساس بناء مجتمع حداثي متوازن قائم على القيم الإسلامية المعتدلة.
من خلال هذه المؤسسات التعليمية، استطاعت حركة “خدمة” أن تكون لها تأثير واسع داخل وخارج تركيا. إلا أن هذا النفوذ جلب لها الكثير من الانتقادات من الحكومة التركية، التي رأت فيها تهديدًا مباشرًا للنظام السياسي في البلاد. تصاعد هذا الصراع بعد اتهام الحركة بالتورط في محاولة الانقلاب، ما أدى إلى تصنيفها كمنظمة إرهابية في تركيا.
ردود الفعل على وفاة غولن
أثارت وفاة غولن ردود فعل متباينة في العالم الإسلامي. فيما عبر البعض عن حزنهم لفقدان شخصية دينية إصلاحية، رأى آخرون في وفاته نهاية لدور سياسي مشبوه. تبادلت الآراء على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث انتشر هاشتاغ يحمل اسمه، وشارك الآلاف في نقاشات حول إرثه وتأثيره في تركيا والعالم.
بعض المحللين يرون أن وفاة غولن قد تؤدي إلى تراجع تأثير حركته “خدمة”، خاصة في تركيا، حيث يواجه أتباعه ضغوطًا مستمرة من الحكومة. ومع ذلك، يبقى الإرث التعليمي الذي خلفه غولن قويًا على المستوى الدولي، إذ تستمر مؤسساته في تقديم خدماتها التعليمية في العديد من الدول.
مستقبل حركة “خدمة” بعد وفاة غولن
رغم وفاة مؤسسها، من المتوقع أن تستمر حركة “خدمة” في نشاطها عبر المؤسسات التعليمية التي أسسها غولن. ومع ذلك، قد تواجه الحركة تحديات كبيرة، خاصة في تركيا، حيث يتعرض أنصارها للملاحقات القضائية والضغوط من قبل الحكومة. يُتوقع أن يتم إعادة هيكلة الحركة وتغيير بعض استراتيجياتها لتجنب المزيد من الصراعات مع النظام التركي.على المستوى الدولي، من المرجح أن تستمر الحركة في تحقيق أهدافها التعليمية والدعوية، خصوصًا في الدول التي تحتضن مدارسها ومؤسساتها.
وفاة فتح الله غولن تضع حداً لمسيرة رجل دين وسياسة مثير للجدل، عاش حياته بين التبشير بالتعليم والإصلاح الديني وبين الصراع مع النظام التركي. كان غولن شخصية بارزة أثرت في السياسة التركية والعالم الإسلامي، وتركت بصمتها من خلال حركة “خدمة”. ستظل وفاته حديثًا طويلاً بين من يرونه مصلحًا دينيًا ومن يعتبرونه متورطًا في قضايا سياسية. في نهاية المطاف، تبقى حركة “خدمة” التي أسسها إرثًا مستمرًا في العالم، رغم التحديات الكبيرة التي تواجهها.