يلجأ الكثير من الشباب إلى العمل على “التوكتوك”، أو كما يسمونه البعض تاكسي الغلابة، حتى أصبح يعمل عليه الأطفال والكبار أيضـًا، وتعددت أسباب اللجوء للعمل عليه: بين غياب فرص العمل لخريجي الجامعات أو محاولة لتحسين أوضاعهم كعمل إضافي بجانب وظيفة أخرى صباحـًا، أو لأطفال صغار لمحاولة مساعدة أسرهم في المعيشة.
كما بات هذا النشاط طوق نجاة للكثير من الحرفيين بعد التهميش الاقتصادي الذي طالهم في ظل تداعيات ظروف اقتصادية ومعيشية صعبة على الجميع.
أصبح التوكتوك منذ أكثر من 15 عامـًا منفذًا أساسيـًا للاقتصاد غير المنظم في مصر، حيث يستوعب جزءًا ليس بقليلٍ من نسبة العمل في مصر.
الكثير ينظر إلى أن انتشار “التوكتوك” تسبب في زيادة نسب الجريمة، والقول بإن التنظيمات الإجرامية التي تخطف الأطفال استغلت التوكتوك في تنفيذ جرائمها، إضافة لاتهامات لسائفيه بالتحرش ومضايقات الفتيات، ولكن المؤكد أن هذا جانب واحد من القصة، هذا الجانب لا يجعلنا نتناسى أن كل مهنة تضم الطالح والصالح، وإن كان المجتمع يرى أن الغالبية من سائقي التوكتوك منعدمي الأخلاق أو بلطجية فإن هناك رغمـًا عن هذا، نماذج يغلب عليها الاحترام وربما دفعتهم الظروف الاجتماعية والاقتصادية للعمل سائقين لـ التوكتوك وتحمل نظرة المجتمع لهم كـ بلطجية رغم خروجهم من بيوت تتحلى بكل صفات الأدب والاحترام.
مهنة الحرفيين تحتضر!
“طلع النهار فتح يا عليم والجيب مفيهش ولا مليم مين في اليومين دول شاف تلطيم زي الصنايعية المظاليم” على غرار هذه الأغنية بدأ الشاب الثلاثيني محمد حمزة حكايته للحرية عن حال الصنايعية في مصر وتدهور حالهم وعدم تقديرهم من أي اتجاه فعندما ترك التعليم وهو في الصف الرابع الابتدائي بعد وفاة والده إذ وجد نفسه مسؤولًا عن أسرة وما كان بيده إلا أن يبحث عن صنعة يتعلمها رغم صغر سنه وقتها كي يستطيع مساعدة والدته في مصاريف البيت.
وبالفعل استطاع محمد صاحب ال ٣٥ عامـًا التمكن من صنعة الزجاج والبراويز وظلَّ يعمل بها أكثر من حوالي عشرين عامـًا، ولكن مع مرور الوقت ضاق الحال خاصة بعد ماتزوج وأنجب ليصبح مسؤولا عن والدته وزوجته وابنه وابنته وصنعة الزجاج انحدرت “ومابقيتش بتأكل عيش” -على حدِّ وصفه-.
إضافةً إلى أن العمل عند أصحاب المحلات وتحكماتهم أصبح أمرًا لا يحتمل، ورغم خبرته في هذا المجال فإنه فجأة لم يجدْ عملًا آخر واستغنى أصحاب المحلات عنه وعن زملائه.
لم ييأس الشاب الثلاثيني في البحث عن مكان آخر يقدر خبرته في تلك الصنعة التي يحبها وامتهنها منذ صغره ولكن لم ينجح، وأصبح سوق العمل غير مستقر لديه في هذا المجال “يوم فيه شغل وعشرة أيام مفيش كان لازم أدور على شغل تاني عشان أقدر أعيش وأصرف على بيتي ومالقيتش أي شغل غير إني أشتغل على توكتوك”.
مع الوقت ورغم خبرته ودقته في مجال الزجاج والبراويز تحول عمله الأساسي لسائق توكتوك.
وبسؤاله عن نظرة المجتمع لسائقي التوكتوك كـ بلطجية أكد أن هناك من بين سائقي التوكتوك بلطجية بالفعل وتابع “لكن فيه ناس محترمين كتير وعايزين ياكلوا عيش، زي حالاتي وأنا أهل منطقتي كلهم الحمد لله يعرفوني ويعرفوا أخلاقي ولو كنت اهتميت بنظرة المجتمع ليا والناس اللي حواليا ماكنتش هلاقي أصرف على أمي ومراتي وعيالي اللي أنا عايش عشانهم”.
أما عن صافي الربح اليومي من التوكتوك قال” بالنسبة للفلوس دي رزق ممكن نطلع من الصبح الساعة ٨ صباحا للساعة ٨ بالليل و يعمل له تقريبا 200 جنيه بيفول منهم ب 60 جنيه بنزين بيروح ب 100 جنيه او 150 جنيه.
من حلم المهندس لسائق توكتوك!
أحيانًا تجبرنا الحياة على القيام بأمور أكبر من أعمارنا؛ ويرجع ذلك بسبب الظروف المختلفة التي قد تصيب الفرد أحيانًا ولكن بغير إرادة منه؟!.
هكذا كانت الحياة مع صديقنا أسامة البالغ من العمر حالياً 20 عامًا.
فمنذ خمس سنوات مضت فقد أسامة والده حينما كان يبلغ 15 عامًا، حينها كان يدرس في الصف الثالث الإعدادي، إلا أن وفاة والده غيرت مجرى حياته تمامًا.
إذ أنه كان أكبر أسرته المكونة من 4 أفراد إضافة إلى والدته “ربة المنزل”، هذا الأمر أجبر الصبي في ذلك الوقت؛ على اتخاذ قرار مرير بالنسبة له ولأحلامه وطموحاته، حيث كان يرغب في أن يصبح مهندسًا.
لكن تبددت أحلامه و اضطر إلى التضحية بمستقبله التعليمي؛ من أجل العمل لإعالة أخوته، فلم يستطع الفتى دخول الثانوية العامة، ودخل بدلًا منها المدرسة الزراعية.
بدأ أسامة العمل على (التوك توك) منذ سن الخامسة عشر، فعلى الرغم من الصعوبات المالية الكبيرة التي واجهتها الأسرة عقب وفاة الأب، إلا أن أسامة استطاع شراء (التوك توك) بالتقسيط.
والجدير بالذكر أنه على الرغم من الصعوبات الكثيرة التي واجهها أسامة، إلا أن ذلك لم يمنعه من الحصول على دبلوم زراعة؛ حيث كان يعمل ويعول أسرته في نفس الوقت.
وقد أوضح أنه تعرّض للكثير من المضايقات والتنمر في بداية عمله بصفته سائق “توك توك” من جانب أقرانه؛ إذ أنه في ذلك الوقت لم يكن أحد في مثل سنه يعمل مثله في قريته.
وقد أعرب عن أمله في الحصول على وظيفة حكومية أو في القطاع الخاص تناسب مؤهله التعليمي؛ حيث أنه سبق وقدّم في كثير من مسابقات العمل التي تتطلب مؤهله التعليمي، لكن لم يحالفه الحظ في أي مرة.
سائق توكتوك برتبة مستشار !
“دائمًا ما ينظر إلينا الناس على أننا أصحاب سوابق وبلطجية وغير متعلمين” هكذا عبّر محمود البالغ من العمر 39 عام عن نظرة الناس للشخص الذي يعمل على (توك توك).
يقول محمود الحاصل على ليسانس شريعة إسلامية من جامعة أسوان عام 2010 : إن “ظروف الحياة هي من جعلتني أعمل على (توك توك)؛ حيث إنه من وقت حصولي على شهادة الليسانس بتقدير عام جيد جدًا، تقدمت إلى عدّة وظائف حكومية، لكن لم يتم قبولي في أي وظيفة حتى أتممت عامي التاسع و الثلاثين حاليًا”.
وأضاف محمود:” أعمل منذ أكثر من 10 سنوات كاملة 13 ساعة يوميًا طوال أيام الأسبوع؛ من أجل إعالة أسرة مكونة من 7 أفراد، لا أستطيع أخذ راحة؛ بسبب ظروف الحياة القاسية التي أعاني منها مثل الجميع”.
وقد أوضح أن ما كان يجنيه من العمل بصفته سائق (توك توك) يكفي احتياجات الأسرة، لكن الأمر حاليًا تغير بتاتـًا.
فقد أصبح الإيراد اليومي لـ (التوك توك) يكفي لشراء بنزين وعمل إصلاحات دورية للمركبة، حيث أن إيراده اليومي من العمل من 100 جنية إلى 150 جنية، يحتاج منها إلى 55 جنيها من أجل شراء بنزين، غير الزيت الذي تحتاجه المركبة بشكل دوري كل أربعة أيام.
وذكر أن هناك تفاوت كبير في الأسعار حاليًا، حيث أن الصيانة الدورية التي تحتاجها المركبة كل 4 شهور كانت لا تتجاوز الألف جنيه قديمًا، لكن حاليـًا وصلت صيانة المركبة إلى 6 أضعاف المبلغ القديم، أي 6000 جنيه؛ والسبب كما يقول له التجار توقف استيراد بعض قطع الغيار من الخارج.
وأصبح حاليـًا يحتاج إلى تشغيل المركبة 24 ساعة، من أجل القدرة على التكيف مع المتغيرات والمتطلبات،لكنه لا يستطيع تنفيذ ذلك؛ ولا يستطيع التضحية بالمستقبل التعليمي لأحد أبنائه الصغار من أجل مساعدته في العمل.
دراسة بحثية || أسباب الإقبال الكبير على مهنة سائقي التوكتوك
أجرت الأستاذة الدكتورة الشيماء علي، الباحثة بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية دراسة بحثية تناولت خلالها رصد ظاهرة التوكتوك بشكل عام من عدة اتجاهات في ضوء ما تمثله من مشكلات فعلية ومخاطر محتملة؛ حيث يفرض التوكتوك من جهة مخاطر نتيجة سلبياته البيئية والمشكلات الاجتماعية والجنائية التي ارتبطت به، ومن جهة أخرى فهو يوفر فرصـًا للعمل ومصدر دخل لبعض العاطلين عن العمل وأسرهم وكذلك للراغبين من الجمهور العام.
وشمل البحث عدة تساؤلات أبرزها حول أسباب انتشار التوكتوك، وأسباب الإقبال على هذه المهنة ودوافع المنتفعين من استخدامه وأهم مشكلاته وإمكانية تجاوز تلك المشكلات.
وبلغ عدد عينة البحث ٩٨٩ من الممارسين للمهنة (السائق/المالك) والجمهور العام المستخدم للتوكتوك وغير المستخدم له
وجاءت أهم نتائج البحث
وانتهى البحث بعدد من التوصيات العامة المتمثلة في :
سائق التوكتوك.. خريج الجامعة لم يرتكب فعل فاضح
الدكتورة سامية خضر أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس قالت لـ “الحرية”: “إن سيرة سائقي التوكتوك أحيانـًا ليست نظيفة إلى أقصى حد، ولكن لا يمكن أبدًا القول بأن كل سائقي التوكتوك بلطجية وإن تم التعميم؛ فهذا ظلم واضح للفئة التي تسعى للعمل بمهنة شريفة”.
وأشارت إلى أن حصول عدد من سائقي التوكتوك على شهادات جامعية ليس سببـًا للحكم على هذا الشخص بكونه شخص سلبي أو إيجابي فالأمر يتوقف على السلوك وليست الشهادة الجامعية.
وشددت على عدم القول بأن الظروف الاقتصادية دفعت أصحاب الشهادات العليا للعمل سائقين للتوكتوك، فهو لم يقم بفعل فاضح أو لم يرتكب جريمة، ولكن فكرتنا السيئة عن أغلبيتهم وليس كلهم بسبب تعاملهم غير الصحيح على الطريق.
أما عن سلوك سائقي التوكتوك على الطرق فأرجعت أستاذة علم الاجتماع: أن السبب الرئيسي لهذا السلوك السيء هي الدولة بسبب عدم تقنين أوضاع التوكتوك والعاملين عليه، وعدم وضع قوانين رادعة تلزمهم بشكل سليم للقيادة.
وأضافت: إن عدم ترخيص أغلب “التكاتك” سبب رئيسي في استغلاله في الجرائم وأيضـًا عدم الالتزام بقوانين الطرق ويمكن قياس ذلك على مثال أي سائق يسافر للعمل بالخارج، أيـًا كان نوع المركبة ولكن وجود قوانين صارمة تحول ذات الشخص الهمجي داخل مصر إلى إنسان آخر خارج مصر.
واختتمت حديثها مشددة على أنه لا يجب النظر لسائقي التوكتوك بنظرة دونية، أو النظر لهم بصفتهم بلطجية أو حرامية بسبب استغلال المجرمين للتوكتوك في تنفيذ الجرائم، فتلك الجرائم المختلفة كانت متواجدة قبل انتشار التوكتوك وقبل دخوله مصر .