الإثنين 28 أبريل 2025 01:24 صـ 1 ذو القعدة 1446 هـ
المشهد اليمني
رئيس التحرير عبد الرحمن البيل
Embedded Image
×

الولي الفقيه الذي لا يورِث في طهران والضاحية ويورث في العراق واليمن ؟!

السبت 7 أبريل 2018 11:16 مـ 22 رجب 1439 هـ

   اطمئن ديكتاتوريو الانظمة الجمهورية في المنطقة الى خلو المجال العام امام مشاريعهم العائلية،لعدم قدرة المجتمعات المحلية وربما رغبة الدول المؤثرة استنساخ منافسين لهم في السلطة،بعد اضعاف المعارضين من رموز سياسية وحزبية واجتماعية وقبلية بتحويلهم الى مستتبعين واهنين، اما بالشراء اوالالهاء بفتات المناصب وقشور الذهب. فبدأواعملية تعبيد طرق القصور لورثتهم من الابناء بشكل فاضح، فصار الصغار يتحكمون بمفاصل السلطة ويؤثرون في قراراتها، بدون أية صفة قانونية او دستورية، الا بكونهم ابناء مدللين.

ولو ان الاباء قضوا قبل "الربيع العربي" لكنا الان نعيش استبداد وفتك "جمال مبارك" و"احمد علي عبدالله صالح" و"سيف الاسلام القذافي"وربما "عدي صدام حسين" ،تماما كما يعاني السوريون اليوم من الوريث الابن بشار الاسد !!

اعتاد اللبنانيون منذ اجيال ،وبحكم المحاصصة الطائفية وتوازناتها ، على توريث الابناء زعاماتهم السياسية والروحية. فصار احتكار المواقع في العائلات الكبيرة جزء من اللعبة الديمقراطية ذاتها. فلم ينته اسم "جنبلاط وفرنجية والجميل وكرامي والحريري وسلام وارسلان" ،لان زعامة سلطة الاجداد والاباء تنقل تلقائيا الى الابناء والاحفاد.

الانتخابات النيابية المقبلة في 6ايار/ مايو ستعيد تكريس هذا الوضع، وربما انتجت اكثرية نيابية مثل انتخابات 2009 لكنها ستكرسها كأقلية سياسية على الارض كالعادة،لان"حزب الله "، الذي خسر دورتين انتخابيتين ،فبسلاحه ونفوذه سيعزز هذا الوضع،كون الانتخابات باحتكاراتها العائلية لن تغيير في واقع الامر،الذي صار يتحكم به الحزب، بامتلاكه المجال العام .

والمفارق في المسالة ان الحزب لايورث الزعامة في الابناء، بسبب ان "الولاية" لم تشق اوديتها في التوريث السياسي للأبناء والاقارب، ولم تزل تحتكم الى آلية صارمة في اختيار الزعامات،التي لها اشتراطات فقهية وايديولوجية ،لا تنطبق على الابناء .

فالخميني لم يورث ابنه احمد ولن يفعل خامنئي ،لكنه يستطيع التأثير في اختيار خليفته في غير ابنائه واقاربه ،ومن الشخصيات الموثوقة في ادامة سلطة الولي الفقيه، وتعزيز مصالح اجهزتها واذرعها العسكرية والامنية الممتدة في المنطقة.ولاحظنا سلفا ان عباس الموسوي وقبله صبحي الطفيلي لم يورثا في حزب الله، وكذلك الامر كان مع الامام موسي الصدر مؤسس حركة امل، ولن يكون ايضا مع حسن نصر الله.

غير ان الامر سيختلف كلية في اليمن والعراق ،اذا استطاع الحوثيون في الاولى تعميد زعامة "الولي الفقيه"في عائلة بدر الدين الحوثي، بانتقالها من الاخ المؤسس بعد مقتله في 2004 في الحرب الاولى الى الاخ الاصغر، الذي قاد الحروب اللاحقة ،التي اوصلته الى صنعاء في سبتمبر2014 ،ومن ثم الى احتكاره السلطة بوصفه زعيما مطلقا للجماعة ،التي تحكم ضدا على رغبة الخصوم والحلفاء معاً. ومكَن الاقارب، بوصفه رمز السلطة الزمنية والروحية، من الاشقاء وابنائهم والاعمام والانساب من امساك المجال العام بفضاءاته الاقتصادية والسياسية والامنية والعسكرية، يساعدهم في ذلك المئات من كوادر الاسر الهاشمية الوازنة، الذين كانوا الجزء الفاعل في بنية نظام صالح .

اما في الثانية يبرز اسم الزعيمين الشابين "مقتدى الصدر" و"عمار الحكيم" باعتبارهما وارثين لزعامة روحية من ابويهما في العراق ،فقادتهما الى اللعب المؤثر في الحياة السياسية ،التي بدأت التعبير عن نفسها بكونها حامل للتوازنات الطائفية ،التي تتحكم في بلد صار نهبا لهذا المنزع .صحيح ان كلا الرمزين "الصدر والحكيم" خرجا من العباءة الشيعية السوداء، بتجليها الطائفي الصارخ بعد عراق بريمر 2003، ولا يتجاوزان المرجعيات الكبرى في "النجف" و"قم"، وان كان يسعى الصدر التأثير في الاولى، لكنهما يسعيان لتقديم نفسيهما كزعيمين سياسيين عراقيين اقل تطرفا من بعض فصائل الحشد وعصائبه.

فوجد الاول في التسويق لانتمائه العروبي، وصخبه الذي لايستكين، لازمة فضفاضة لتعبيد الطرق الانتخابية وحتى المناسبات الاحتجاجية مع المكونات السنية،التي تعاني من الاقصاء والتهميش.اما الثاني وهو ابن عبدالعزيز الحكيم الرئيس السابق للمجلس الأعلى الإسلامي العراقي فسياساته الناعمة تلقى قبولا ايرانيا واضحا ، لأنها تخفف العبء عنها من اعمال الفصائل، التي تعبر عنها يتطرف انتهاكي واضح يسبب لها الكثير من الاحراج.فبعد تأسيسه لتيار " الحكمة الوطني" في يوليو 2017،وتخليه عن رئاسة " المجلي الاسلامي الاعلى " الذي تكون مطلع الثمانينيات في طهران كمظلة للفصائل الشيعية المعارضة لنظام صدام حسين، صار يطمح للتعبير عن الاتجاهات الشيعية الشابة بعيدا عن وصايا حرس المجلس القديم.

ولو لم يغتال عبد المجيد الخوئيفي ابريل2003بعد عودته من منفاه الانجليزي بعيد سقوط نظام صدام حسين، لكان يشكل الان قطبا ثالثا في شجرة الوراثة الطائفية ، باعتبار والده أبوالقاسم الخوئي،احد المرجعيات النجفية الكبرى، ورئيس حوزتها العلمية، واستاذ للمرجع الحالي علي السيستاني، غير انه صفي في مرقد الامام علي في حمى التنافس الشيعي الشاب لزعامة الطائفة.

باختصار في بلاد ديكتاتوريات الانظمة الجمهورية واستبدادها المعتق ، تطل علينا القوى التي تشغر فراغه الان بذات فلسفته في الفساد والاستبداد، وعلى راسها تأصيل مبدا التوريث، للأبناء والاقارب والمحاسيب، في تجاوز فاضح ليس فقط لشعاراتها السياسية التي استخدمتها لمعارضة هذه الانظمة، والمساعدة الفاعلة في اسقاطها ، وانما لتركيبتها العقدية والايديولوجية التي لا تقول بالتوريث نظريا على الاقل.