الإثنين 28 أبريل 2025 01:14 صـ 1 ذو القعدة 1446 هـ
المشهد اليمني
رئيس التحرير عبد الرحمن البيل
Embedded Image
×

59 عاماً من السير نحو الجمهورية

يحتفل غالبية اليمنيين اليوم بذكرى ثورة 26 سبتمبر، الذي يمر على حدوثها 59 عاماً منذ الاطاحة بالنظام الملكي وقيام الجمهورية العربية اليمنية في الشطر الشمالي.

وضع الجمهوريون أهداف للثورة، توزعت بين التحرر من الاستبداد وإقامة حكم جمهوري عادل، إوزالة الفوارق الطبقية، وبناء جيش يحمي البلاد، والتمنية الاقتصادية، وبناء مجتمع ديموقراطي والعمل على تحقيق الوحدة.

وعلى قدر ما كانت هذه الأهداف تحمل قيم إنسانية وتحاول بناء مجتمع على قواسم مشتركة لتحقيق دولة جمهورية متماسكة شعباً وسلطة، إلا أن الثورة تمكنت من التقدم في بعضها وأخفقت في تحقيق بعضها.

لقد حققت الثورة، إرساء مهابة الجمهورية في قلوب المجتمع اليمني، إذ لا يمكن بعد هذه الثورة أن يمضي اليمن في دولة ملكية حتى وإن بقيت السلطة في فترات زمنية أشبه بعائلية مثل نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح، إلا أن المجتمع اليمني يرفض تغيير النظام الجمهوري الى نظام ملكلي.

وتمكنت الجمهورية على طول تاريخها، من اتاحة الفرص المتساوية في الوظيفة العامة ولو بشكل نسبي، لا سيما في عهد الرئيسين ابراهيم الحمدي وعلي صالح، وتقدم في المشاريع الخدمية كبناء المدارس التعليمية، وفتح النقاش لتوحيد شطري اليمني الشمالي والجنوبي وتوسيع دائرة الجدل الثقافي والنقدي وتنامي مستوى الحراك الصحفي والاعلامي ونقد السلطة وحرية التعبير.

على أن الجانب الآخر عجز الجمهوريون من بناء دولة متماسكة عقب الثورة وتقديم برنامج اصلاحي يتماشى مع المحيط العربي والعالم الذي يتقدم كل يوم بوتيرة متسارعة.

لقد شكلت بيئة ما بعد الثورة، صراعات بين الجمهوريين عكس سلبا على مشروع بناء الجمهورية وتحقيق أهدافها، وهذا ناتج لعدة أسباب من بينها: انقسام الجمهوريون في هويات ما بعد الوطنية، أي أن الجمهوريين مارسوا عملية التغيير بدوافع معرفية قومية وفكرية متناقضة لعبضههم البعض.

توزعت هوية القيادات الجمهورية بين: قومية جمال عبالناصر وهوية الاخوان المسلمين بمرجعية حسن البناء، والبعث العراقي والبعث السوري، والاشتراكية الاممية.

شكلت هذه الهويات الفكرية والمعرفية المتناقضة تصادم هوياتي، أي حدوث اختلاف في ممارسة الفِعل التغييري من قبل الجمهوريين في سلطة الجمهورية. يتصور الجمهوريون القوميون أن اليمن ما هي الا جزء من الجغرافيا العربية بقيادة مصر، (المربع الجغرافي القيادي)، وفقاً للفكر الناصري، بينما الاسلاميون يرون الجمهورية اليمنية تنسحب على المشروع الاسلامي وتذوب فيه؛ لاستعادة -وفقاً لفكرة حسن البناء- (الخلافة الاسلامية)، أما الاشتراكيون فإن ضبابية التغيير لديهم بوصفه حالة من الصراع البنيوي الطبقي، بين البروليتاريا والبرجوازية ووجوب تحقيق دعوة ماركس في (توحد العمال في العالم) واليمن جزء منها، أدت إلى تكوم مشروع الجمهورية بفعل هذه الهويات المتناقضة.

لقد أدت هذه الهويات المتناقضة في رأس سلطة الجمهورية إلى تصادمات، وبالتالي تأخرت الثورة في تحقيق أهداف الجمهورية.

ولقد حاولت ثورة 11 فبراير، التي شارك فيها غالبية اليمنيين من صعدة إلى عدن، إحداث تصحيح في رأس السلطة، تتمثل في كسر احتكار السلطة والاستئثار بالثروة، والحد من الفساد في مؤسساتها، والدخول في حوار جامع يضمن جميع القوى السياسية والجماعات اليمنية في مؤتمر الحوار الوطني في 2013م، إلا أن محاولة عبدربه الانفراد في مخرجات الحوار، مِثل فرض شكل معين للاقاليم، دون مشاركة بقية الاطراف السياسية، إضافة إلى محاولة السعودية والدول الغربية الهيمنة على مستقبل اليمن؛ إدى إلى إنفجار الصراع من جديد.

يحدث الآن ست سنوات من الحرب. وإن كان للسعودية يد في تدمير مسار الفِعل الثوري في بناء الجمهورية اليمنية إلا أن الهويات ما بعد الوطنية لدى القوى السياسية اليمنية أحدثت مغارة في رأس السلطة تبتلع فيها كل مقومات التنمية والبناء، وسهلت للدخلات الخارجية، حفر وتوسيع تلك المغارة السوداء.

موضوعات متعلقة