إلى جيل الألفين: اقرؤواهذا الكلام جيدا

قبل مئة عام من الآن، كانت صلة شمال اليمن بالعالم الخارجي مقطوعة عدا النزر اليسير من التفاعل والاتصال تحت قيود وضوابط إمامية مشددة.
حينها كانت الثقافة السياسية السائدة لدى الصفوة العارفة في المنطقة العربية والعالم، تُسمِّي ذلك الوضع "استقلالاً وطنياً"، على سبيل المدح، دون التدقيق في التفاصيل.
لكن وبينما كانت شعوب وأقاليم عديدة تشكو وتتململ من نقص أو انعدام ذلك الشيء الذي يُسمَّى "الاستقلال"، كان الشعب اليمني في الشمال يشكو ويئن بل ويختنق من جرعة فائضة مميتة منه.
لقد كان أهل اليمن -بسبب العقلية الإمامية- يصطلون بنار الشيء نفسه الذي تستميت الشعوب الأخرى لبلوغه على أنه الفردوس.
وكان لسان حال اليمني قول المتنبي:
إني بما أنا باكٍ منه محسودُ
وبينما كانت الشعوب الناضجة تفهم من كلمة "استقلال" تحرير الإرادة الوطنية من وصاية واستغلال وطغيان المستعمر الأجنبي، أملاً في حياة أكرم وأسعد وأيسر، دون أن يعني ذلك قطيعة وانغلاقاً وارتياباً جاهلاً ومجنوناً من الآخر في العالم الخارجي، فإن الإمامة الزيدية في شمال اليمن كانت قد نجحت في تحويل تجربة "الاستقلال" إلى صورة منفرة من العقاب الجماعي المرّ، وكان وقع التجربة على نفوس الأحرار الوطنيين أثقل من كل وصاية.
ليس هذا تجنّياً ولا تحاملاً بلا أساس.
بوسعكم الرجوع إلى شهادات وأخبار وآثار تلك المرحلة، من المحب والمبغض على حدّ سواء.
بل إن الحاضر يعطي فكرة لا بأس بها عن الغائب.
وفي ضوء "استقلال" اليوم يمكن فهم الكثير عن "استقلال" الأمس الموصوف باقتضاب في السطور السابقة..