عن محاولتي الفاشلة لترك القات والتسلي بالمكسرات وما حدث لي من عجائب وغرائب

قبل عدة سنوات وفي لحظة وعي ذاتي أصدرت قرارا تاريخيا بأن أترك القات إلى غير رجعة، ولكي أنتصر انتصارا ساحقا ماحقا على هذه العادة رأيت أن أجهز البديل، وهو تشكيلة متنوعة من المكسرات التي سأتسلى بها بدلا عن القات.
أشتريت ب 12 ألف ريال مكسرات، زبيب رازقي ولوز وكاجو وفستق، وأعددت القهوة ثم بدأت أقرأ وأحتسي القهوة كعادتي لا كعادة المثقفين، ثم هجمت على المكسرات كما يهجم الوباء على قرية لا طبيب فيها.!
بعد ساعة من القزقزة والقشقشة أحسست بجوع شديد يجتاحني فقمت وأعددت لنفسي عدد لم أتذكره من السندوتشات لأسكت بها جوعي.????
وبعد أن ألتهمت كل تلك السندوتشات وأسكت عصافير بطني عدت من جديد للهجوم الكاسح على المكسرات، واكتشفت عند أذان المغرب أنني قد ألتهمت نصف كيلو زبيب رازقي ونصف كيلو لوز خولاني، وقشقشت نصف كيلو فستق، وطحنت وبلعت نصف كيلو كاجو " سن العجوز " ولم يبق شيء من المكسرات.! ????
عادت الزوجة والأولاد من زيارة الأقارب فوجدوني ما شاء الله صلاة على رسول الله قد شربت القهوة وأكلت الأخضر واليابس، سندوتشات على مكسرات، على سلطة كانت باقية من الغداء، وحينها سألتني الزوجة:
_ أين المكسرات ؟!
_ تسليت بها.
_ وأين الخبز والروتي ؟
_ سويتها سندويتشات وأكلتها.
ثم سألتها بجدية:
_ هيا متى ستجهزي العشاء ؟!
نظرت نحوي باستغراب قائلة:
_ عادك تشتي عشاء ؟! ????
وعندها نادت على الأولاد:
_ هيا هربنا أبوكم اذا ظل إلى منتصف الليل بدون قات سيأكلنا. ????
ولا أخفيكم أنني في الليلة الأولى من تركي للقات كنت أخشى أن يهجم علي الرازم " الدكاك " الكابوس الذي يهجم على الموالعة الذين يتركون مضغ القات فجأة، المهم مرت تلك اللية بسلام والحمد لله.
وواصلت خلال أيام أكل المكسرات وإلتهام السندوتشات وعدد لا يحصى من الوجبات في سبيل أنني سأترك القات ولابد من تضحية.????
وفي الليلة الرابعة كأن الرازم كان يختبر صبره علي ويشوف إلى أين سأصل بقلة حيائي معه؟!
لقد كانت تلك الليلة سواد الله لا يوريكم، ما إن استغرقت في النوم حتى تم استدعائي مع مجموعة من الذين تمردوا على الشيطان الأخضر " القات" وتركوا مضغه فأحضرونا إلى ساحة مخيفة وأوقفونا صفا واحدا ثم جاء عملاق أسود بحجم أسطوري وبيده صميل ولا صميل فرعون " هراوة كبيرة " فلما وصل إلى الأول وكنت الأخير ضربه بالصميل ضربة جعلته يغوص في الأرض وحينها سقط قلبي بين أقدامي وحاولت الفرار لكن كأن أقدامي قد ربطت إلى الأرض بسلسلة قوية.????
الشخص الثاني من المتمردين حوله العملاق الأسود إلى موتور سيكل وركب عليه ثم مضى فوقه في مشوار إلى أقصى الساحة، كنا نتفرج عليه ونحن في غاية الخوف والذهول.
كنت حينها اضطرب كالعصفور الدايخ والعرق يغشى جسمي وأنا أرتعد من الخوف وأتساءل:
_ ماذا سيفعل بي عندما يصل إلي؟
لحظات عصيبة وأنا أحاول بكل قوتي أن أفر هاربا ولكن دون جدوى، ومضى ذلك العملاق المخيف يتفنن في تعذيب أولئك الناس حتى وصل إلي وقبل أن يهوي بذراعه الضخمة علي صحوت من نومي مذعورا وقد بلل العرق ثيابي وأنا أرتعد من أسوأ كابوس عرفته في حياتي.! ????
في اليوم الثاني وحين توجهت بعد الغداء لشراء المكسرات وقفت الزوجة في طريقي ودار بيننا نقاش ساخن انتهى بأن تركت شراء المكسرات وعدت للقات كأهون الشرين وأخف الضررين.!
عندما حسبنا الأمر وجدنا أنني تركت القات لكي أوفر فإذا بي أصرف أضعاف ثمن القات أربع مرات.!
وإذا بي ألتهم الكثير من السندوتشات والأطعمة والوجبات ما أرهق الزوجة وأهدر ميزانية المطبخ المالية حتى آخر الشهر.!
يعني جئت أكحلها عميتها للطرف.! ????
كما أنني حين كنت أمضغ القات كنت أرسل جزء منه لأمي وآخر لعمتي وهن من الموالعة المخضرمين الذين جمعوا بين مضغ القات في القرنين العشرين والحادي والعشرين، وقد قطعت عادتي معهم وقطع العادة عداوة، حيث رأوا في عملي هذا بخلا عليهم فعدت إلى عادتي معهم وإلى مضغ القات.
لقد أكدت لي الزوجة أن القات يخفف من داء السكري، وهذه المقولة عندما بحثت عنها وجدتها بحسب نتائج دراسة علمية قام بها العديد من المقاوتة في أرحب وهمدان وغيرها، حيث توصلوا بعد أن خزنوا وطننوا وخدروا وفكروا وقدروا إلى أن القات يخفف من داء السكري والضغط، ويمنع الإكتئاب، ويقلل من الإصابة بالجلطات، ويحمي من الإصابة بالعديد من الأمراض الخطيرة، ويجعل الشخص المخزن رجل أعمال ناجح فهو أثناء الكيف يطلق العديد من المشاريع الهامة والشركات العملاقة، ويدخل السوق بقوة، وينافس عن جدارة، ثم يواجه خصومه ويظل يتطور ويزدهر حتى تتضخم إمبراطوريته المالية ليغدو ملك السوق بلا منازع. ????
لكن بعد أن يذبل القات للأسف تنهار كل تلك المشاريع وتهوي أسهم تلك الشركات وتخسر قيمتها السوقية في البورصات الدولية، وحينها يقوم بنتف شاربه أو شعر رأسه ويدخل في طنانة أبو قرون وفي دوائر سليمانية لا تنتهي الا بالنوم الذي قد يأتي وقد لا يأتي الا بعد منتصف الليل.
المهم كانت هذه هي حصيلة رحلتي من القات إلى القات برضه.!
ولكنني أمضغ القات بكمية قليلة ضئيلة لا تستحق أن تسجل اسم العبد لله في سجل الموالعة، كما أنني لم أؤسس أثناء مضغي للقات لشركة أو أطلق مشروعا وكل ما أفعله هو قراءة كتاب أو مشاهدة بودكاست، وهذا ليس من مذهب الغالبية الكاسحة من الموالعة.
والمهم أنني بتلك الكمية الضئيلة من القات قد وفرت تكاليف المكسرات والسندوتشات والعديد من الوجبات التي كنت أهجم عليها كل يوم كهجوم التتار على بغداد.????
*قصة قصيرة