تصعيد حوثي وانهيار صاروخي: كواليس الوساطة العُمانية تكشف حقيقة تراجع الجماعة بعد 50 يومًا من الضربات الأمريكية

يتساءل اليمنيون اليوم عن الأسباب الحقيقية التي دفعت ميليشيا الحوثي الإيرانية للقبول بالوساطة العُمانية وطلب التهدئة مع الولايات المتحدة، بعد أسابيع من التصعيد العسكري والاستعراض الإعلامي في البحر الأحمر.
هذا التساؤل جاء بعد إعلان مفاجئ للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، يوم الثلاثاء، كشف فيه عن توقف الهجمات الأمريكية ضد الحوثيين عقب مفاوضات عاجلة رعتها سلطنة عُمان بطلب مباشر من الجماعة، التي كانت تروّج لانتصارات ميدانية غير حقيقية ضد واشنطن.
50 يومًا من المواجهة والادعاءات
خلال قرابة خمسين يومًا، واصلت الجماعة الحوثية حملتها الإعلامية التي وصفت فيها استهدافها للقوات الأمريكية بالبطولية، مدّعية إسقاط طائرات حربية وتدمير قطع بحرية بينها حاملات طائرات، في إطار خطاب تعبوي استُخدم لتبرير فرض الجبايات على المواطنين ونهب الإيرادات تحت مسميات دعم القوة الصاروخية والبحرية.
غير أن الحقيقة بدأت بالانكشاف مع إعلان القيادات الحوثية مؤخرًا قبولها الوساطة العُمانية، وتقديمها لما وصفته بـ"شروط للتفاوض"، في محاولة لإخفاء السبب الحقيقي وراء اللجوء للتهدئة، والذي يتمثل في الخسائر الفادحة التي تلقتها الجماعة بفعل الضربات الأمريكية الدقيقة.
خسائر ثقيلة واستهداف نوعي
الصحفي المتخصص في شؤون الجماعة، عدنان الجبرني، كشف عبر صفحته على "فيسبوك" أن العملية الأمريكية استمرت قرابة خمسين يومًا وأسفرت عن أضرار جسيمة في قدرات الحوثيين الصاروخية والجوية، إضافة إلى مقتل عدد من قياداتهم البارزة.
ومن بين الأسماء التي أوردها الجبرني: مسؤول عمليات القوة الصاروخية "م. الحيفي"، ومسؤول الدراسات "أبو الوفاء"، وقائد قسم الطيران المسيّر زكريا حجر الذي قُتل في أولى الغارات على منطقة الجراف، إلى جانب اثنين من أبرز مساعديه، وخبراء في مجالات التصنيع والإطلاق.
وأشار الجبرني إلى أن بعض الضربات، رغم وصفها بـ"العشوائية"، استهدفت مواقع حساسة لم يكن الحوثيون يتوقعون رصدها، ما تسبب في حالة ارتباك داخلي وشكوك متبادلة بين القيادات، وصلت حد الانقسام الحاد داخل الجماعة.
ضغوط متصاعدة ومحاولة للظهور بمظهر "المبادر"
أمام الضغط العسكري المتواصل، حاول زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي شد صفوف جماعته عبر إصدار توجيه بتنفيذ ضربة استعراضية نحو مطار بن غوريون الإسرائيلي، في محاولة يائسة لإعادة الزخم الإعلامي والالتفاف على الواقع المتدهور.
إلا أن مراقبين رأوا في موافقة الحوثيين على المقترح العُماني نتيجة مباشرة لحجم الخسائر المتراكمة، التي جعلت الجماعة في وضع عسكري وسياسي هش لا يسمح لها بمواصلة التصعيد، أو حتى الحفاظ على تماسكها الداخلي.
خاتمة: الوساطة لم تكن خيارًا.. بل مخرجًا إجباريًا
في ضوء هذه التطورات، يتضح أن قبول الحوثيين بالوساطة العُمانية لم يكن خيارًا استراتيجيًا كما حاولوا الترويج له، بل مخرجًا إجباريًا من وضع مأزوم يهدد وجودهم العسكري.
ومع تكشف خيوط ما حدث خلف الكواليس، بات اليمنيون يدركون أن ما رُوّج له من "انتصارات" لم يكن إلا ستارًا دخانيًا لحجب الانهيار الحقيقي الذي تسببت به الضربات الأمريكية، فيما تبقى الأيام القادمة كفيلة بكشف ما إذا كان هذا التراجع مجرد مناورة مؤقتة أم بداية لتفكك أكبر داخل بنية الجماعة المسلحة.