إذا لم تطرأ مفاجآت، فإنّ وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران، سيتم تثبيته في الأيام المقبلة. فالطرفان يحتاجان إلى التقاط أنفاسهما، بعد حرب الـ12 يومًا التي شكلت حدثًا جديدًا على المسرح الإقليمي. ما من شك بأنّ إيران أمطرت إسرائيل بضربات صاروخية مؤلمة وصادمة، وفي المقابل حققت إسرائيل تفوقًا إستراتيجيًا حاسمًا على إيران، إن لجهة سيطرتها على أجواء أجزاء كبيرة من البلاد، وفي المقدمة العاصمة طهران التي تحولت في مكان ما على المستوى العسكري، إلى ساحة مفتوحة تكاد تشبه بيروت. فغارات سلاح الجو الإسرائيلي لم تتوقف على مواقع ومقرات تحمل رمزية السلطة الحاكمة ومؤسساتها الأمنية والعسكرية، خصوصًا "الحرس الثوري" الذي طاردته إسرائيل بمؤسساته وفيالقه العسكرية في انحاء واسعة من البلاد.
وظيفة الأذرع الإيرانية انتهت
وبعيدًا عن الدعاية السياسية والبروباغاندا، تعرضت إيران فعلًا إلى نكسة عسكرية، سبقت الغارة الأميركية المدمرة للمنشآت النووية الثلاثة فوردو، نطنز وأصفهان. ومهما قال قادة إيران، فقد أتت الغارة الأميركية لتُنهي رحلة إيران النووية نحو القنبلة والتخصيب العالي المستوى. ولن يمر وقت طويل، قبل أن يوضع برنامج إيران لتطوير الأسلحة الباليستية على طاولة التفاوض الأميركي، على قاعدة أنّ البرنامج يشكل خطرًا على دول المنطقة، وأكثر من ذلك، أنه يشكل خطرًا على أوروبا ومعها القواعد الأميركية المنتشرة في الشرق الأوسط ومحيطه، بقطر يصل إلى 4,000 كيلومتر من الأراضي الإيرانية. في المقابل سوف يتم "تدجين"رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو على طريقة دونالد ترامب. لكنّ إسرائيل ستخرج من المعركة الأخيرة وقد جرت معالجة تحدياتها الأمنية الوجودية من جهة لبنان، وسوريا، وإيران وحتى العراق.
وبالمناسبة لا بد من التوقف عند ملف الأذرع الإيرانية وفي طليعتها "حزب الله"، الذي نتوقع أن تتكثف الضغوط السياسية والدبلوماسية عليه في لبنان، من أجل التسريع في عملية نزع سلاحه، بعدما فقد مبرر وجوده بشكل تام لا لبس فيه. فبعد أن وصل الطيران الحربي الإسرائيلي إلى قلب إيران، وسيطر على أجواء العاصمة لمدة أسبوعين تقريبًا، بات الحديث عن مبررات وجود سلاح الحزب المذكور من الماضي. والأهم أنّ المعادلة في لبنان لم تتغير لجهة استمرار الغطاء الأميركي لعمليات المطاردة الساخنة التي تقوم بها إسرائيل لعناصر وقادة الحزب الميدانيين، إضافة إلى بناه التحتية العسكرية.
حقيقة لقد انتهى سلاح الحزب المذكور إلى الأبد. والفصل الأخير من الحرب التي بدأت في 7 أكتوبر 2023، أثبت أنّ المنطقة باتت في مكان آخر، وأنّ وظيفة الأذرع الإيرانية انتهت في كل مكان من لبنان إلى العراق وصولًا إلى اليمن. سقطت الشعارات، وسقطت العناوين التي عززت بها طهران سياستها الخارجية التوسعية في المنطقة. ووصل الأمر بالنظام إلى أن يلامس مرحلة تهديد وجوده في حرب الأيام الـ12. اما الأذرع مثل "حزب الله، فبات عليها أن تبحث عن مبرر للبقاء. والأهم عن علة وجود ووضيفة جديدة ومختلفة تمامًا عما كانت عليه في العقود الأربعة الماضية. انتهت ما تسمى "مقاومة". ولعلنا نقول اليوم سقط "الهلال الشيعي" الذي كان الملك عبد الله الثاني قد حذّر منه في ديسمبر 2004. وبالتالي بات "حزب الله" اللبناني والفصائل الممثلة له جزءًا من الماضي!