لأول مرة يشعر السوريون بأنهم غير معنيين بالحرب الدائرة بين إيران وإسرائيل اللهم إلا من خلال مرور الصواريخ والمسيرات الإيرانية في سماء سوريا أو سقوط بعضها.
خروج إيران من سوريا في 8 ديسمبر العام الماضي جعل سوريا تنتقل من ضفة إلى أخرى حتى أن الشروط الأميركية التي قدمتها الولايات المتحدة إلى الحكومة السورية لرفع العقوبات عنها كان من أبرزها منع عودة إيران و"حزب الله" إلى سوريا، ووقف نشاط المنظمات الفلسطينية العاملة على أراضيها والتي كانت على علاقة جيدة مع إيران، لذا نلاحظ أن الحكومة السورية الحالية التزمت الصمت تجاه الهجمات المتبادلة بين إيران وإسرائيل.
صمت الحكومة السورية برئاسة الرئيس أحمد الشرع، يعكس التحول الكبير في التوازنات الجيوسياسية داخل سوريا منذ الإطاحة بنظام بشار الأسد، حتى إن الحكومة السورية الجديدة أعلنت بوضوح أن الوجود الإيراني داخل البلاد لم يعد مرحباً به، وتعهدت بعدم السماح لأي جماعة مسلحة بشن هجمات على إسرائيل انطلاقاً من الأراضي السورية.
مراقبون يرون أن التصعيد الحالي بين إيران وإسرائيل منح الحكومة السورية الحالية فرصة لإثبات التزامها بالنهج الجديد وكسب دعم دولي واسع.
في مقاله في صحيفة "المجلة اليهودية" يقول رجل الأعمال الأميركي جوناثان باس المقرب من الرئيس الأميركي دونالد ترامب: إن الرئيس السوري أحمد الشرع قال له خلال لقاء جمعهما في دمشق "نحن وإسرائيل لدينا أعداء مشتركون ويمكننا أن نلعب دوراً رئيساً في إرساء الأمن الإقليمي، وإن سوريا لن تكون بيدقاً بيد أحد".
وهنا لا بد من التذكير أن الرئيس ترامب بعد لقائه الرئيس الشرع في الرياض بحضور ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في 14 أبريل الماضي قال إنه دعا سوريا للانضمام إلى الاتفاقات الإبراهيمية.
ما يؤثر على أنقرة قد يؤثر على دمشق
صحيح أن الحكومة السورية لم تصدر أي موقف رسمي حول الحرب المندلعة حالياً بين إيران وإسرائيل، لكن فرع جماعة "الإخوان" في سوريا والذي يقال إنه يهيمن على مراكز صنع القرار فيها أصدر بياناً أعلن فيه رفضه الانحياز لأي طرف، ما يعني أن هذا الموقف يتوافق مع توجهات الحكومة السورية، هذا في وقت انتشرت فيه أخبار عن سعي حكومة الرئيس الشرع لتوسيع قنوات التواصل مع إسرائيل عبر عقد لقاءات مباشرة أو غير مباشرة تمهيداً للوصول إلى اتفاقيات أمنية دائمة، وخصوصا أن سوريا أعلنت التزامها باتفاقية فصل القوات الموقعة بينها وبين إسرائيل عام 1974 وربما تتبعها خطوات أخرى تتعلّق بالتطبيع بين البلدين من خلال الانضمام إلى اتفاقات "آبراهام" أو تحريك عملية السلام المتوقفة بين البلدين.
في المقابل يقول آخرون إن دعوة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان - خلال إلقاء كلمته في الدورة 51 لمجلس وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي الذي انعقد في إسطنبول قبل أيام- إلى ضرورة العودة إلى المفاوضات مع إيران ووقف العدوان، وهو ما طالبت به دول إسلامية أخرى وفي مقدمتها باكستان، بدأت تستشعر الخطر من تحرك إسرائيل في المنطقة بدعم واضح من الولايات المتحدة خلط الأوراق حتى أن دولت بهشلي رئيس حزب الحركة القومية وحليف إردوغان دعا إلى ضرورة "وقف إسرائيل بالقوة" وذلك عقب الضربات الجوية الإسرائيلية الأخيرة على مواقع عسكرية نووية في إيران، معتبراً أن الهجوم الأخير على إيران لم يكن سوى جزء من مخطط أوسع لتقويض استقرار المنطقة واستهداف تركيا بشكل غير مباشر، وهنا تبرز نقطة في غاية الأهمية وهي أن دمشق اليوم على علاقة إستراتيجية مع أنقرة، وبالتالي ما يؤثر على أنقرة قد يؤثر على دمشق.
ما يمكن قوله في الختام هو ما قاله الرئيس الشرع نفسه من أن سوريا لن تكون مصدر تهديدٍ لجيرانها بما فيها إسرائيل، وهو ما تضمنته الشروط الأميركية لسوريا، إضافة إلى عدم التعامل مع "حزب الله" وإيران، وهذا ربما ما قصده الشرع بالعدو المشترك، ما يؤكد أن سوريا انتقلت اليوم من محور ما كان يُسمى "محور المقاومة" إلى محور معاد لإيران تماماً!