scrollTop

السلام بين لبنان وإسرائيل

عائدات نمو الاقتصاد اللبناني هي التي تعيد إعمار الجنوب وبيوت الجنوبيين (رويترز)
عائدات نمو الاقتصاد اللبناني هي التي تعيد إعمار الجنوب وبيوت الجنوبيين (رويترز)
verticalLine
fontSize

يوم انتزعت إسرائيل هضبة الجولان من سوريا، إبان حرب 1967، كانت مزارع شبعا من بين الأراضي التي سيطرت عليها الدولة العبرية. يومذاك، لم تعترض حكومة الجمهورية اللبنانية على خسارة هذه البقعة من الأرض، وصدر قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242، الذي يطالب إسرائيل بالانسحاب، إما من أراضٍ عربية احتلتها او الأراضي العربية التي احتلتها. في الحالتين، لم ير لبنان نفسه معنيا، ولم يقدم شكوى دولية، في حرب لم يشارك فيها، ولم يتعرض لأي خسارات على إثرها، وهو ما يعني أن لبنان رأى أن مزارع شبعا سورية، حتى لو لا تزال صكوك بعض الأراضي فيها تظهر ملكية لبنانيين، فملكية الأرض شيء، والسيادة عليها شيء آخر.

مزارع شبعا سورية

مزارع شبعا سورية، ومصيرها يخضع للقرار 242 وللعلاقة بين سوريا وإسرائيل، ولا علاقة للبنان بها، وهو تصريح أدلى به زعيم دروز لبنان وليد جنبلاط، الذي أدرك حجم التغيير في موازين القوى الإقليمية والدولية، خصوصا بعد التقدم الحاسم الذي أظهرته إسرائيل في حرب الأيام الاثني عشر في مواجهة إيران.

وسيحسم المندوب الأميركي توم برّاك ملكية المزارع لمصلحة سوريا، بالتزامن مع ترسيم ما تبقى من الحدود اللبنانية السورية، خصوصا البحرية. كما رشح أن برّاك قدم لرؤساء لبنان الثلاثة جدولا زمنيا ليتسلم الجيش اللبناني سلاح "حزب الله"، بأكمله، في غضون أشهر.

مع خروج مزارع شبعا من لائحة الخلافات الحدودية المتنازع عليها بين لبنان وإسرائيل، يمكن للدولتين المساومة حول 12 نقطة حدودية متبقية، وهذه النقاط هي فعليا نقاط، لا مساحات شاسعة، 7 منها أعلنت إسرائيل أنها مستعدة للتخلي عنها في حالة السلام بين البلدين، والأرجح أن السلام يسهّل أيضا تسوية الاختلاف حول النقاط الخمسة المتبقية. ومع ترسيم الحدود، ينتفي الخلاف بين لبنان وإسرائيل، ويصبح المطلوب من كل منهما نسيان الماضي الدموي بينهما، وفتح صفحة جديدة، والنظر إلى مستقبل أفضل، تماما مثل فرنسا وألمانيا، اللتين سالت بينهما دماء على مدى قرون، ثم أصبحتا أقرب الحلفاء اليوم.

وعندما يرفرف علم لبنان في تل أبيب يرفرف علم إسرائيل في بيروت، سيفتح تطبيع العلاقات الباب على مصراعيه لنمو الاقتصاد اللبناني بشكل صاروخي. على سبيل المثال، يزور إسرائيل 10 ملايين سائح سنويا، ويرتاد عدد كبير من المسيحيين منهم مناطق الشمال خصوصا بحر الجليل، الذي تنص التعاليم أن السيد المسيح سار على مياهه. ومن هناك، المسافة قريبة لقانا التي زارها يسوع وأقام فيها معجزات، وهو ما يعني أنها ستتحول محجّة للسيّاح الدينيين أنفسهم الذين يزورون إسرائيل.

ويمكن لأهالي الجنوب اللبناني تأجير الشقق والبيوت لسيّاح إسرائيل بأسعار أدنى بكثير من سعر السوق الإسرائيلية، وهو ما يمنح لبنان قدرة على امتصاص عملة أجنبية كبيرة من السياحة الإسرائيلية. فضلا عن أن السيّاح أنفسهم قد يقصدون باقي المناطق اللبنانية. كذلك، يمكن لمطار بيروت أن يساهم في نقل هؤلاء السيّاح، وهو ما يعود على المطار وشركة طيران الشرق الأوسط بأرباح أكبر.

ومن شأن انحسار سلاح "حزب الله" وسيطرة الدولة على الأمن أن يعيد مطار بيروت كنقطة وصل بين أميركا الشمالية وآسيا، وهو ما يدر بأرباح وفيرة على الطيران اللبناني، وغيره من الشركات العربية.

كذلك، للعمالة اللبنانية — من حملة الشهادات الجامعية أو من اليد العاملة — العمل في وظائف إسرائيلية مرتباتها أعلى بكثير، وفي نفس الوقت تستفيد المؤسسات الإسرائيلية من العمالة اللبنانية بأجور أقل من منافستها الإسرائيلية. كما يمكن لمستثمرين إسرائيليين الإفادة من مشاريع عقارية وسياحية وغيرها في لبنان، ويستفيد المستثمرون اللبنانيون في استثماراتهم في إسرائيل.

عائدات نمو الاقتصاد اللبناني هي التي تعيد إعمار الجنوب وبيوت الجنوبيين، وهي التي تنفق على صيانة بنية لبنان التحتية المتهالكة منذ عقدين، وهي التي ترفع من مستوى معيشة اللبنانيين وخدماتهم الطبية والثقافية والسياحية وغيرها.

حكم "حزب الله" ومغامراته

وسيرمي "حزب الله" وحلفاؤه وأنصاره بلائحة طويلة من العقبات في وجه السلام والنمو الاقتصادي والرفاه.

وسيقول الحزب وجماعته إنه لا يمكن الركون لدولة إسرائيل ورئيس حكومتها بنيامين نتانياهو، ولكن تاريخ إسرائيل يشي بأنها احترمت المواثيق والوعود التي وقعتها مع مصر والأردن، ولا سبب لاعتقاد أن إسرائيل ستستخدم السلام كحصان طروادة ضد لبنان.

وسيقول الحزب وجماعته إن إسرائيل تسعى لانتزاع أراض لبنانية وهذا يعاكس الحاجة الديمغرافية الإسرائيلية إذ يتركز الإسرائيليون وسط البلاد فيما لا كثافة سكانية في الشمال بتاتا.

وسيقول الحزب وجماعته إن إسرائيل ستسعى لانتزاع مياه لبنان، والواقع هو أن إسرائيل تحولت إلى "قوة عظمى" في تكنولوجيا تحلية المياه. بكلام آخر، يمكن للبنان الإفادة من خبرة إدارة المياه في إسرائيل في ترشيد استهلاكه، والحفاظ على ما تبقى من مياهه الجوفية، وتبني تقنية تحلية المياه لرفد حاجاته المتزايدة.

وسيقول الحزب وجماعته إن لا سلام لبناني مع إسرائيل قبل تسوية موضوع اللاجئين الفلسطينيين، الذين يقدرهم الحزب وجماعته بخمسمئة ألف فيما هم فعليا 125 ألفا فقط، حسب تعداد لجنة الحوار اللبنانية الفلسطينية، فاللاجئون الفلسطينيون في لبنان، مثل اللبنانيين أنفسهم، هجروا البلد إلى دول العالم الواسعة هربا من عقدين من حكم "حزب الله" ومغامراته وحروبه التي دمّرت البلاد، وأفقرت الناس، وقضت على آمالهم.

وسيقول الحزب وجماعته إن على لبنان أن يلتزم الإجماع العربي وأن لا يوقّع السلام إلا ما بعد قيام الدولة الفلسطينية، وعلى لبنان أن يجيب أن لبنان سيلتزم التصويت مع الكتلة العربية في المحافل الدولية، لكن ما لم تقدم الجامعة العربية عشرات مليارات الدولارات سنويا تعويضا لامتناع لبنان عن تطبيع علاقاته مع إسرائيل وتنمية اقتصاده، فلا مناص للبنان إلا أن يسعى إلى مصلحته القومية، وهي سنة الحياة وقانون الدول.

تعليقات
سجّل دخولك وشاركنا رأيك في الأخبار والمقالات عبر قسم التعليقات.