في تطور لافت قد يعيد رسم خرائط المنطقة، كشفت تسريبات إعلامية إسرائيلية عن مفاوضات غير مباشرة بين سوريا وإسرائيل، وسط سيناريوهات معقدة تتراوح بين إعادة أجزاء من الجولان وتأجير مناطق إستراتيجية، وحتى إعادة ترسيم محتملة للحدود مع لبنان.
تسريبات اتفاق السلام بين سوريا وإسرائيل
نقلت قناة "inews24" الإسرائيلية عن مصدر سوري مقرب من الرئيس الانتقالي أحمد الشرع تأكيده أن سوريا مستعدة للانخراط في مفاوضات غير مباشرة، لكنها "ترفض السلام المجاني"، وتشترط استعادة ما لا يقل عن ثلث هضبة الجولان كجزء من أي تسوية.
وبحسب المصدر، هناك سيناريوهان مطروحان:
- الأول: تسليم ثلث الهضبة لسوريا، مقابل احتفاظ إسرائيل بالثلثين، مع إمكانية تأجير أحد الأجزاء لمدة 25 سنة.
- الثاني: تسليم إسرائيل ثلث الهضبة فقط، واحتفاظها بالثلثين.
ويشدّد المصدر على أن عودة أي جزء من الجولان ضرورية لتسويق الاتفاق محليا أمام الشعب السوري.
ويؤكد المحلل السياسي من إسطنبول عمر كوش في حديث لقناة "المشهد" أن هناك بالفعل قنوات تفاوض غير رسمية، لكنه شدد على أن الحكومة السورية الانتقالية لا تملك الصلاحيات القانونية لتوقيع اتفاقية مصيرية من هذا النوع.
وقال إن "أي اتفاق سلام يحتاج إلى مصادقة مجلس الشعب والمحكمة الدستورية، وهما غير مكتملين حاليا".
وأضاف أن الهدف السوري الحالي ليس التوصل لاتفاق سلام شامل، بل تهدئة التوتر على الحدود الجنوبية، وإعادة الوضع لما كان عليه قبل تصعيد 8 ديسمبر 2024.
واقترح كوش العودة إلى اتفاق فك الاشتباك الموقع عام 1974، بما يشمل عودة قوات الأمم المتحدة وانتشارها في المنطقة العازلة.
ضغوط وتحفيزات
أكدت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن الولايات المتحدة أُبلغت بتفاصيل المحادثات، التي لا تقتصر على ترتيبات أمنية بل تشمل أيضا إمكانية الانسحاب الإسرائيلي التدريجي من مناطق سيطرت عليها بعد 8 ديسمبر 2024، كجبل الشيخ والمنطقة العازلة.
وقد صرّح الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأن بعض الدول الصديقة طلبت رفع العقوبات عن سوريا، لإعطائها "فرصة" للعودة إلى المجتمع الدولي، ما فُسّر كمقدمة للتطبيع مع إسرائيل.
وأوضح د. سليم زخور الباحث في الأنظمة السياسية والقانون الدستوري في حديث لقناة "المشهد" أن الطرح السوري الرافض للسلام المجاني يعكس رفضا مبدئيا لتقديم تنازلات دون مقابل، في مقابل الطرح الإسرائيلي المعروف بـ"السلام مقابل السلام".
وأشار إلى أن ما يناقش حاليا ليس اتفاقية سلام نهائية، بل "ترتيبات أمنية مرحلية" تسمح لإسرائيل بالاحتفاظ بجزء من الجولان، مقابل انسحاب جزئي ووقف الغارات، ويمكن تسويق ذلك داخليا كإنجاز سياسي دون الحاجة إلى المرور بالمؤسسات الدستورية.
وقال "هذا النوع من التفاهمات لا يحتاج إلى برلمان أو محكمة دستورية، ويُمرر كإجراء أمني مؤقت".
كما علق زخور على التسريبات بشأن ضم طرابلس وسهل البقاع اللبناني إلى سوريا ضمن التسوية، قائلا: "هذه التسريبات غير دقيقة وغير بريئة، وتبدو وكأنها تمهد لصدام مستقبلي سياسي أو إقليمي".
الموقف الرسمي السوري
وكان أعلن مصدر رسمي سوري أن الحديث عن اتفاق سلام "سابق لأوانه"، ودعا تل أبيب إلى احترام اتفاقية فك الاشتباك لعام 1974، والانسحاب من الأراضي التي دخلتها بعد سقوط نظام الأسد.
وأعادت وزارة الخارجية السورية التأكيد على أن دمشق مستعدة للتعاون مع واشنطن لإحياء اتفاق 1974، الذي فصل بين القوات وحدد مناطق عازلة بإشراف أممي، قبل أن تنهار الاتفاقية فعليا في ديسمبر 2024 بعد التوغلات الإسرائيلية الأخيرة.
ويرى د. صبحي عسيلة رئيس تحرير مجلة "مختارات إسرائيلية" من القاهرة، في حديث لقناة "المشهد" أن إسرائيل معنية بالسلام في هذه اللحظة، لكن ليس على حساب الجولان.
وقال إن "إسرائيل تعتبر الجولان جزءا من سيادتها بموجب قانون الكنيست لعام 1981، وبدعم من الرئيس الأميركي دونالد ترامب".
وأضاف أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو يرى ما جرى في سوريا انتصارا إستراتيجيا، ولن يقبل بفتح ملف الجولان في ظل هذا التفوق.
وأشار عسيلة إلى أن النظام السوري قد يستخدم الحديث عن التفاوض كوسيلة لتثبيت شرعيته الجديدة، والانضمام لاحقا إلى "اتفاقيات السلام"، لكنه نفى احتمال موافقة إسرائيل على إعادة أراض من الجولان، مؤكدا أنه "حتى أنظمة انتقالية أو غير منتخبة أبرمت اتفاقات في المنطقة من قبل. المسألة عند القوى الدولية ليست الشكل القانوني بل من يملك السلطة الفعلية".

انهيار اتفاقية 1974
في ديسمبر 2024، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو انسحاب بلاده من اتفاقية فصل القوات مع سوريا، قائلا: "الجيش السوري انهار، واتفاق فصل القوات لم يعد قائما. لن نسمح لأي قوة معادية بالتموضع قرب حدودنا".
وأتبعت إسرائيل ذلك بتوسيع وجودها في جبل الشيخ ومناطق من جنوب سوريا، وسط صمت دولي وتراجع روسي عن الساحة السورية.
التقارير المتسارعة تشير إلى أن اتفاقا جزئيا بين سوريا وإسرائيل قد يُبرم قبل نهاية 2025، يشمل انسحابات إسرائيلية تدريجية من بعض المناطق، مقابل إعلان سوري بوقف حالة الحرب وتحويل مرتفعات الجولان إلى "حديقة سلام"، دون حسم مسألة السيادة النهائية.
(المشهد)