scrollTop

exclusive
 أزمة صامتة.. كارثة بيئية تهدد الشواطئ اللبنانية

تحسن في جودة المياه من ناحية التلوث البكتيري على الشواطئ اللبنانية (رويترز)
تحسن في جودة المياه من ناحية التلوث البكتيري على الشواطئ اللبنانية (رويترز)
verticalLine
fontSize

في مشهد بيئي نادر نسبيًا في لبنان، يسجّل التقرير السنوي للمجلس الوطني للبحوث العلمية (CNRS) لعام 2025 تحسنًا ملحوظًا في جودة المياه من ناحية التلوث البكتيري على الشواطئ اللبنانية، في حين تتصاعد في المقابل أزمة التلوث بالميكروبلاستيك الذي يهدد صحة الإنسان والمنظومات البيئية البحرية.

بحسب التقرير الذي عُرض في مقر CNRS ببيروت، يقوم المركز الوطني لعلوم البحار منذ نحو 40 عامًا بمراقبة شهرية للتلوث البكتيري لمياه الشاطئ الممتد من العريضة شمالًا حتى الناقورة جنوبًا، عبر 38 محطة ثابتة محددة جغرافيًا، باستخدام منهجية متوافقة تمامًا مع برنامج الأمم المتحدة لمراقبة الشواطئ (MEDPOL).

تُؤخذ العينات من سطح المياه وحتى عمق 50 سم، وتشمل مسابح شعبية، مناطق قرب مصبات الأنهار، شواطئ عامة وخاصة، وأخرى قريبة من معامل صناعية ومجاري، بهدف مقارنة النتائج علميًا.

أوضح مدير المركز الوطني لعلوم البحار ميلاد فخري، أنه لا يمكن الحديث عن تراجع شامل للتلوث على الشواطئ اللبنانية، بل هناك بعض الشواطئ التي شهدت تحسنًا طفيفًا في نوعية المياه من ناحية التلوث البكتيري.

وأضاف فخري في حديثه مع منصة "المشهد" أنه "لم نشهد كميات كبيرة من التراجع أو تحسين جذري. بعض الشواطئ تحسنت قليلًا، لكن لم يُفعّل أي مشروع واسع النطاق لمحطات التكرير، وما زالت الأزمة البيئية في ذروتها دون حلول جذرية".

تقييم الوضع الحالي

لفت فخري إلى أن بعض المناطق مثل الهري وشكا تُعتبر نظيفة نسبيًا من الناحية البكتريولوجية، لكنه حذر من غياب الفحوصات الكيميائية الشاملة على المياه في معظم المواقع، قائلًا: "مثلًا، حتى لو بدت مياه شاطئ السلعات نظيفة بكتريولوجيًا، إلا أنها قد تتأثر بالمعامل القريبة من الناحية الكيميائية. تقييمنا يعتمد على الفحوصات البكتيرية، لكن من الناحية البيئية والصحية لا يكفي الاكتفاء بهذه المؤشرات".

وشدّد على أن معالجة أزمة التلوث تتطلب تفعيل محطات التكرير القائمة أصلًا، والتي أنشئت بأموال اللبنانيين. وقال: "وزارة البيئة لا تستطيع وحدها حل المشكلة. يجب أن تتعاون وزارة الطاقة ووزارة الأشغال ووزارة البيئة مجتمعة، فهذه مسؤولية وطنية. البلديات يمكنها المساعدة بتحويل بعض مصبات الصرف الصحي، لكن الحل البنيوي خارج قدرتها".

أوضح الدكتور فخري أن برنامج المراقبة البحرية هو جزء من مهام المركز وليس مشروعًا منفصلًا، ويقوم على:

  •  جولات شهرية لأخذ العينات من الشواطئ.
  •  إجراء التحاليل البكتريولوجية والكيميائية ضمن الإمكانات المتوفرة.
  •  إصدار تقرير سنوي يعكس واقع التلوث وتغيراته.

في ما يخص كلفة إعداد التقرير السنوي، قال فخري : "التقرير يتطلب مواد كيميائية، كهرباء، عناصر بشرية، سيارات للتنقل وأيام عمل طويلة. لا أستطيع تحديد مبلغ محدد، لكن الكلفة كبيرة. للأسف، لا يوجد دعم حكومي حاليًا. نعتمد على بعض المشاريع الممولة والـ partnerships. حتى أحيانًا نتحمل من جيوبنا مصاريف البنزين أثناء الأزمات". 

وشدّد د. فخري في ختام حديثه على أهمية دور المجتمع، قائلاً: "البحر للجميع. التلوث لا يأتي فقط من المصانع والمطامر العشوائية، بل أيضًا من المواطنين الذين يتركون نفاياتهم على الشاطئ. نأمل أن يعي الناس أهمية الحفاظ على نظافة الشواطئ، خصوصًا وأن الشواطئ المجانية هي المتنفس الوحيد لمن لا يستطيع ارتياد المنتجعات الخاصة". 

أوضح أن وزارة الأشغال العامة هي المسؤولة المباشرة عن الشواطئ بالتنسيق مع وزارة البيئة، وأن أي قرار بفرض رقابة أو عقوبات على التلوث والنفايات يتطلب قرارًا من مجلس الوزراء، مضيفًا: "دورنا علمي بحت، نرصد ونصدر النتائج والتوصيات، أما التطبيق والتنفيذ فيعود إلى الجهات الرسمية". 


وزيرة البيئة: البحر اللبناني يواجه تهديدات 

في حديث لـ"المشهد" عن واقع البيئة البحرية في لبنان، شددت وزيرة البيئة تمارا الزين على أهمية البحر اللبناني باعتباره جزءًا لا يتجزأ من هوية لبنان وثقافته واقتصاده.

وقالت الزين في حديث مع منصة "المشهد" إن البحر لعب دورًا محوريًا في صياغة تاريخ لبنان وفتح أبوابه على العالم، مضيفة: "البحر ليس فقط مكان سباحة أو استجمام موسمي، بل هو مرآتنا الحقيقية، فيه نتأمل روحنا، وقد نحَت البحر جغرافيتنا وثقافتنا وأسهم في اقتصادنا. مصير لبنان مرتبط بمصير بحره، فهما خيط واحد عقده الموج ولا انفكاك بينهما".

وتابعت الوزيرة حديثها عن التحديات التي تواجه البيئة البحرية، مشيرة إلى أن البحر اللبناني يواجه تهديدات مشتركة مع البحار والمحيطات عالميًا، أبرزها الاحترار، الاستغلال المفرط، استنزاف الموارد، والتلوث بمختلف أنواعه، لا سيما النفايات البلاستيكية التي من المتوقع أن تتساوى كميتها مع كمية الأسماك في البحار بحلول عام 2050. لكنها أكدت في المقابل أن البحر اللبناني يتمتع بجمال وغنى طبيعي يستحق تسليط الضوء عليه والحفاظ عليه للأجيال المقبلة.

وفي سياق حديثها عن عمل وزارة البيئة، أوضحت الزين أن الوزارة وضعت خطة عمل تركّز على الإصلاحات التأسيسية بدل الحلول الترقيعية، انسجامًا مع هوية الحكومة القائمة على الإصلاح والإنقاذ.

وأضافت أن هذه الخطة تستند إلى رؤية طموحة وواقعية بعيدًا عن الوعود الفضفاضة، وتأخذ في الاعتبار محدودية إمكانات الوزارة والحاجة إلى دعم الشركاء الدوليين. وختمت الوزيرة بالتأكيد على أن أي إصلاحات حقيقية تحتاج إلى وقت حتى تظهر نتائجها، مشددة على أهمية استعادة دور القطاع العام وتفعيل الإدارة وتحديث المؤسسات، وإلا ستبقى الحلول سطحية فيما تتكرر الأزمات.

أزمة صامتة

وأظهرت الفحوصات وجود معادن ثقيلة بنسب معتدلة في الرواسب الساحلية عمومًا، باستثناء ارتفاع الكادميوم عمومًا والرصاص في شاطئ طرابلس العام. أما الأخطر بيئيًا فكان التلوث الكبير بالنفايات الصلبة، خصوصًا البلاستيكية منها والميكروبلاستيك، وهي قطع بلاستيكية متناهية الصغر تتحلل في البحر وتدخل أجسام الكائنات الحية.

وأشارت تمارا زين، الأمينة العامة لـ CNRS، إلى أن حبيبات البلاستيك الخام الصناعية باتت مشكلة متزايدة في الشواطئ اللبنانية هذا العام.

بدوره، أكد مدير عام النقل البري والبحري في وزارة الأشغال العامة والنقل أحمد تامر، أن المديرية مسؤولة مباشرة عن التلوث الناتج عن السفن. وأوضح أنه في حال تسببت أي سفينة بتلوث، فإن المديرية تعتبرها مسؤولة بشكل كامل، إذ يوجد نظام محدد لفرض الغرامات والإجراءات اللازمة، بما في ذلك إلزام الجهة الملوِّثة بتنظيف الأضرار الناتجة عن التسرب، خصوصًا في حال كان التلوث مصدره الزيوت التي تصل إلى البحر.

وكشف تامر في حديثه لمنصة "المشهد" أن المديرية تتابع هذه الحالات بدقة وتأخذ العينات اللازمة، مستشهدًا بحادثة تسرب الزيوت في منطقة الغرامات، حيث تم إرسال فريق متخصص يضم غطاسين محترفين أخذوا عينات من موقع شركة كهرباء الزهراني ومن البحر، ثم أرسلت إلى مركز البحوث العلمية لتحليلها واتخاذ الإجراءات المناسبة.

أما في ما يتعلق بالأمور الصحية العامة، فأوضح أنها تقع ضمن اختصاص البلديات، باعتبار أن كل منطقة تحتوي على محطة تكرير للصرف الصحي، وهناك دراسات تؤكد ضرورة توصيل هذه المحطات بأنابيب تصب في البحر، وهو ما يُعد من مسؤولية وزارة الطاقة والجهات المعنية الأخرى، وليس ضمن مهام المديرية.

كما أشار إلى أن ملف النفايات والتلوث الناتج عنها هو أيضًا من مسؤولية البلديات، التي يُفترض بها متابعة هذه القضايا ومنع وصول النفايات إلى البحر، لا سيما تلك التي تُنقل عبر مجاري الأنهار. وأكد أن هذه القضية تحديدًا تتطلب تنسيقًا مشتركًا بين البلديات ووزارة الطاقة لأنها مرتبطة بالصحة والسلامة العامة.

وختم تامر موضحًا أن المديرية تتعامل مع بعض المشاكل الأخرى مثل فيضانات المجاري قبل الشتاء أو الرمال التي تنقل النفايات إلى البحر ضمن مسؤوليتها عن الأملاك البحرية، فيما تبقى الأملاك النهرية من اختصاص وزارة الطاقة.

يلفت التقرير إلى أن لبنان يعاني من إدارة كارثية للنفايات المنزلية مع انتشار مكبات عشوائية كبيرة على الساحل، إضافة إلى مطمري كوستا برافا وبرج حمود اللذين يخدمان بيروت وجبل لبنان ويقعان مباشرة على البحر، ما يفاقم من أزمة التلوث الكيميائي والبكتيري والصلب في آن.

على الرغم من التحسن الطفيف في جودة المياه البكتيرية، لا يزال البحر اللبناني مهددًا بتراكم الميكروبلاستيك والنفايات الصلبة في ظل غياب إدارة متكاملة وشبكة محطات تكرير فعالة، ما يجعل مسألة السباحة والاستهلاك البحري رهينة العوامل العشوائية أكثر منها الخطط البيئية المستدامة.

(المشهد)

تعليقات
سجّل دخولك وشاركنا رأيك في الأخبار والمقالات عبر قسم التعليقات.