المشهد اليمني

هل الصدقة من الأوساخ، وهل حُرمت على بني هاشم؟!

قبل أن أُجيب على هذا السؤال أضع بين يدي القارئ المتحرر من التصعب، والمتمرد على التقليد الأسئلة التالية:

كيف تكون الصدقة أوساخ الناس، والله وصفها بالمُطَهِرَة فقال تعالى:

( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا)

كيف تكون الصدقة من الأوساخ ثم يقبلها الله، وقد أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن الله لايقبل إلا طيباً، فقال : (إنَّ الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبًا)... ولو كانت الصدقة من الوسخ لما قبلها الله.

كيف تكون من الأوساخ ، والله أحلها للمسلم ، ولو كانت من الأوساخ لحرمها عليه، لأن الله يقول:

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَارَزَقْنَاكُمْ )... فهل أحل له أكل الوسخ، وتعاطي الخبث؟!!

بل امتن علينا سبحانه بأنه أرسل إلينا نبياً نظيفاً، ورسولاً طاهراً، يُحل لنا الطيبات، ويحرم علينا الخبائث، ولو كانت الصدقة من الأوساخ، فكيف يحلها لنا الطيب الطاهر صلى الله عليه وسلم؟! قال سبحانه:

( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ)

لو كانت الصدقة من الأوساخ فكيف يأخذها الله، ويجعلها في أعمال العبد المقبولة ؟! قال تعالى :

( أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)

بل كيف يباركها، وينميها، ويزيدها ويربيها وهي من الأوساخ؟!

قال تعالى:

(يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ)... وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله يأخذ صدقة أحدكم بيمينه ويربيها له كما يربي أحدكم فَلُوَّه أو فصيله)

حاشا الله أن يأخذ الأوساخ، ويربي الأنجاس.

وهل يعقل أن يسمح الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته بأكل الوسخ، ويصون قرابته؟!

هل من المعقول أن يسمح لأبي بكر مثلاً، أو عمر، أو سعد، أو معاذ، أو خالد، بأكل الوسخ الذي منع منه علي والعباس، والحسن، والحسين؟!!

إذن بعد هذه الأسئلة التي أراها منطقية، هل يعني ذلك أنني أرد الحديث الصحيح، وما معنى أوساخ الناس؟

والجواب.. معاذ الله أن أرد حديثاً صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم،

لكنني فقط هنا أعترض على المفهوم الذي فهمه هذا، أو ذاك، مع حفظي لمكانة هذا، ومقام ذاك، خاصة وقد سقتُ من المحكم مالا يصمد أمامه المتشابه، فما بالك بمفهوم هذا الشخص، أو ذاك ؟!!

فليس معنى إنما هي أوساخ الناس أي في ذاتها وحقيقتها، وإنما المعنىٰ أنها تزيل أو ساخ الناس وتطهرهم من البخل، والشح، والأثرة، وتفعل كما تفعل الصلاة التي وصفها الرسول بالمُطَهِرَة فقال

(أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمساً، هل يُبْقي من درنه شيئاً»، قالوا: لا يبقي من درنه شيئاً قال: كذلك الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا)

إذن الصدقة جُعِلت لتطهير الأنفس من الشح، ولم يجعلها الله مكسباً مالياً لقرابة الرسول ، أو دعماً اقتصادياً لبني هاشم،

وهذا هو الذي يتناسب مع جمال الدين، ويصون مقام النبي الأمين .

فعلة تحريمها على بني هاشم - والله أعلم - إنما هو لصيانة عرض النبي، ومكانته، ولو سمح لقرابته بأخذ الصدقة، لقال الناس إنما تدعونا لكي تأخذ أموالنا فتنفقها على قرابتك ، وَيتَمتع بها أهلك ، ولذلك كان شعار كل نبي (قل لا أسألكم عليه أجراً)

قد لمزوه وهو يمنع قرابته فكيف لو أعطاهم وفرض لهم،

(الذين يلمزونك في الصدقات فإن اعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون)

فلو أكل منها النبي، أو ترك قرابته يأكلوا منها لتعلقت بعرضه التهمة المشابهة في قذارتها للأوساخ المحسوسة التي قد تتعلق بجسد الإنسان،

وليس في النص الرفع من شأن قبيلة على قبيلة، أو نسب علىٰ نسب، وإنما تنزيه الداعية الأول وصيانة دينه ودعوته عما في أيدي الناس، ولذلك حرمها على موالي بني هاشم كما حرمها على بني هاشم أنفسهم لأن العلة واحدة.

ولأنه لو أعطىٰ مولاه لقالوا خصص المال لمواليه وحاشيته لذلك حرمها على مواليه كما حرمها على قرابته

ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قد مات، ولم يعد له قرابة قد تلحقه بسببهم تهمه المحاباة والمجاملة والإثراء وأخذ الأجرة مقابل النبوة

فإن مانع المنع قد زال

وكذلك من يلتقون معه في هاشم لن يُطعَن في دعوته إذا صُرفت الصدقة اليوم لفقيرهم كما تصرف لغيرهم

والحكم يدور مع علته وجوداً أوعدماً، فأصبح حالهم كحال غيرهم،

لقد كان منعهم في عهدة يعد من التمييز لمقامة هو ومن الصيانة لجنابة حتى لايقال...

أما اليوم فمنعهم سيكون من التمييز لهم ولا ميزة لهم على غيرهم ولا ميزة لغيرهم عليهم فقد أتى عليه الصلاة والسلام بالعدل والمساواة ومحاربة الفوارق فقال لنا:

الناس سواسية

الناس لآدم

لافضل لعربي على أعجمي ولا لأعجمي على عربي ولا لأبيض على أسود ولا لأسود على أبيض إلَّا بالتَّقوَى.

ملاحظة :

الزيادة لم يوردها البخاري

وأعلها ابن أبي حاتم