موجة ”حميات الموت” تجتاح عدن وسط صمت رسمي وإهمال غير مسبوق

منذ بداية شهر رمضان المبارك، تعيش مدينة عدن على وقع كارثة صحية غير مسبوقة، حيث تتسع رقعة الموت يوماً بعد يوم نتيجة اجتياح موجة عنيفة من الحميات القاتلة.
الملاريا، حمى الضنك، التيفود، والحميات الفيروسية المجهولة، أصبحت اليوم أسماء تخيف السكان وتهدد حياتهم. في الوقت الذي يعاني فيه المواطنون من هذه الأوبئة القاتلة، يغيب أي تحرك جاد أو عملي من قبل المؤسسات الصحية أو السلطات المحلية.
مصائب تنهمر من كل اتجاه
في ظل غياب الحلول، تتوالى الحوادث المأساوية التي تحمل معها قصص الألم والمعاناة. الناشط عبد المجيد القسيمي قال إن الدكتور أحمد الحبيشي فقد ابنه إثر إصابته بحمى شديدة قيل إنها ملاريا، تلاها سكتة قلبية مفاجئة. أما أمين بن لزرق فروى قصة أخرى مؤلمة من منطقة صلاح الدين، حيث توفيت زوجة ابن خاله بعد معاناة مريرة مع أعراض مشابهة، حيث كانت الحمى تستنزف جسدها حتى توقفت الحياة فيها.
هذه الروايات ليست سوى نماذج صغيرة تعكس الوضع الكارثي الذي تعيشه المدينة. عدن اليوم تتنفس الخوف والمرض، ولا يبدو أن هناك بصيص أمل قريب.
عدن تغرق في بحر الإهمال
أكد عدد من أبناء عدن أن الحميات تنتشر كالنار في الهشيم منذ بداية رمضان، ولم يحرك أحد ساكناً. يقول جعفر بامقا: "كل حي، كل شارع، وكل بيت تقريباً، يوجد فيه شخص مريض أو يعاني من أعراض الحمى. الفيروسات تنهش أجساد الناس وفقاً لقوة مناعتهم، والمواطنون بين نار المرض ونار الإهمال".
ويضيف الشاب صالح الاهدل: "الإهمال وصل إلى مستويات مخيفة. لا حملات رش فعّالة، لا توعية صحية، ولا فرق ميدانية. الناس تركوا فريسة سهلة للبعوض الناقل للأمراض".
حتى مدير المديرية يبدو وكأنه يعيش في عالم آخر، كما قال محمد القميري: "ما شفنا منه أي نفع، ولا حتى خطة تدخل بسيطة من مكتب الصحة. الوضع يزداد سوءًا يوماً بعد يوم".
مساجد صارت أماكن وداع يومي
في مشهد مؤلم، أكد صبري بليغ أن المسجد الواقع في حي صلاحدين بات مكاناً لتأدية صلاة الجنازة بشكل يومي. يقول صبري: "الوضع خرج عن السيطرة والناس تموت بصمت، بدون صوت ولا صدى. الموت أصبح جزءاً من حياتنا اليومية".
حلول تزيد الطين بلة
في محاولة لمواجهة المشكلة، قامت بعض المناطق مثل المعلا باتخاذ إجراءات قد تبدو جيدة في ظاهرها، لكنها أثبتت أنها مضرة أكثر مما هي مفيدة. توضح لميس حسن أنهم لجأوا إلى رش "ديزل حارق" يومياً عند الساعة الثالثة فجراً بحجة مكافحة البعوض. النتيجة؟
"النامس صار يهرب من الشوارع ويدخل البيوت!" تقول لميس. "الدخان السام يدخل المنازل ويسبب كظَمات واختناقات، خاصة لدى مرضى الربو. بالإضافة إلى التهاب الجيوب الأنفية لدى الكبار والصغار، وحالات تحتاج إلى علاج دائم بالأدوية."
حاول السكان إيصال أصواتهم إلى المسؤولين، لكن دون جدوى. تضيف لميس: "كأن أرواح الناس لا تهمهم، وكأن عدن ليست ضمن مسؤولياتهم."
نداءات استغاثة بلا رد
محمد سمير وجه رسالة واضحة: "الناس تموت، العدوى تنتشر، والكارثة تزداد. نطالب بخطة طوارئ صحية فورية! يا ليت نجد مسؤولاً واحداً لديه ضمير يستجيب لهذا النداء."
وفي البريقة، تحدثت الناشطة إيمان عوض عن حالات وفاة متتالية بسبب الحمى. تقول إيمان: "اليوم ماتت صديقتي وكان بداية مرضها حمى (سخونة). قبل يومين ماتت قريبتي أيضاً بنفس الأعراض، وقبلها توفي أحد أبناء البريقة بسبب الحمى. ماذا يحدث بالضبط في البريقة؟"
الحميات تمتد إلى المحافظات الأخرى
لم تعد المشكلة محصورة في عدن فقط، بل بدأت تنتقل إلى محافظات أخرى. أكّد محمد قمقام أن حميات الموت انتشرت في محافظة لحج، بينما قال أبو تركي الجريري إن حالات الوفاة والإصابة بالأمراض سُجلت في يافع أيضاً، وسط مخاوف من انتقالها إلى حضرموت.
رسالة أخيرة لكل من يهمه الأمر
الوضع في عدن ومحافظات الجنوب يدق ناقوس الخطر. الموت أصبح ظاهرة يومية، والإهمال الحكومي يساهم في تفاقم الأزمة.
يجب على السلطات المحلية والمنظمات الإنسانية التحرك فوراً لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، لأن أرواح الآلاف من المواطنين باتت على المحك.
ختاماً، هل سيتحرك المسؤولون قبل أن يصبح الموت هو القاعدة وليس الاستثناء؟