الأحد 4 مايو 2025 03:31 مـ 7 ذو القعدة 1446 هـ
المشهد اليمني
رئيس التحرير عبد الرحمن البيل
Embedded Image
×

عن الطبيبة النمساوية والشيخ الذي ذهب ولم يعد!

الأحد 4 مايو 2025 12:14 مـ 7 ذو القعدة 1446 هـ

من القصص التي عشتها ولا أنساها ما حييت أنني في نهاية التسعينيات ذهبت لزيارة أحد المدرسين حيث يعمل في منطقة ريفية، زرته ففرح بي فقد كان وحيدا في السكن، وأصر حينها على بقائي معه، ولما كانت المدرسة تعاني من نقص حاد في المدرسين فقد قمت بتدريس بعض المواد كمتطوع.

في تلك الأيام جاءت إلى القرية طبيبة نمساوية ضمن برنامج رعاية الأسرة والطفل.
واحدث وصول تلك الطبيبة وهي تقود سيارة محملة بالأدوية والمستلزمات الطبية ضجة كبيرة بالقرية، وتحلق الناس حولها كما يتحلق أبناء سوق مزدحم حول طبق طائر هبط من الفضاء.!
وجاء المدرسون من أبناء القرية يعرفونها بأنفسهم وهم يقولون:
_ أيام تتشر هير.
وجاء الشيخ وصاح بالمدرسين:
_ قولوا لها إننا الشيخ. الله أكبر عليكم.
وأضاف:
_ والله ما تروح الا معي. والله لأذبح لها خروف وأعزمكم.
وتولى زميلي المدرس الترجمة فسألها:
_ وير آر يو فروم ؟
_ أوسترن.
فصاح الشيخ:
_ من أستراليا، فهمتها أنا بغير دراسة.
فهزت رأسها نافية وكررت الجملة:
_ أوسترن أوسترن. فيينا.
وحينها أدركنا أنها من النمسا.
قال الشيخ مازحا:
_ من النمسا وجاءت بين النامس عندنا ؟!
ولأنه لا توجد وحدة صحية بتلك القرية فقد تم استخدام جزء من المدرسة كعيادة لعلاج النساء والأطفال الذين يعانون من سوء التغذية.

وأفهمها زميلي المدرس أنها لابد أن تجيب دعوة الشيخ للعشاء في منزله حتى يسهل مهمتها في القرية فقبلت.
ووضعنا الأدوية والمستلزمات الطبية في أحد الفصول وأغلقنا عليها وقادت السيارة وركب الشيخ بجوارها ونحن في السيارة، وتبعنا حشد كبير من الكبار والصغار إلى منزل الشيخ.
في تلك الليلة قام الشيخ بتشغيل المولد الكهربائي وذبح عدة رؤوس من الخرفان.
وتحول وصول تلك الطبيبة إلى مهرجان حاشد في القرية.

بعد العشاء طرد الشيخ كل الذين تجمعوا لرؤية الطبيبة قائلا:
_ ضايقتم الدكتورة.
ثم صاح:
_ الذي سيتأخر أدبه ثلاثة رؤوس غنم.
وفي دقائق أنفض الجمع كأنهم تبخروا.
في تلك الليلة رفضت الطبيبة أن تبيت في منزل الشيخ وأصرت على أن تعود معنا وتبيت في المدرسة.
أخلينا لها السكن وأخذنا بطانياتنا ونمنا في السقف.
حين تمدد صديقي الأستاذ حسن عبد الغني على فراشه تنهد قائلا:
_ تقل يا أستاذ محمد ليش الأوربيات كذا حلوات ؟!
_ يمكن البيئة والجو هناك له دور.
_ يمكن.
ومازحته:
_ أستاذ حسن هل نسافر غدا القرية كما كنت تخطط ؟!
_ لا خلاص ألغيت السفر.
وأضاف:
_ أنا جالس لأجل أترجم للدكتورة وأحميها من الشيخ.

في الصباح جاء الشيخ بمائدة فطور فاخرة لأجل الدكتورة.
بعد الفطور أبلغنا أنه قد أبلغهم في بيته يجهزوا الغداء ويأتوا به إلينا، ثم غادر إلى مدينة إب وعاد بالمساء ومعه الكثير من الأشياء والفواكه والمأكولات وعدة بذلات وكتاب: كيف تتقن الإنجليزية في خمسة أيام بدون معلم.

في اليوم الثاني لبس الشيخ بذلة جديدة فكان منظره مضحكا وكرشه بارزة إلى الأمام، لقد جاء إلينا لنربط له الكرفتة، ثم تحول إلى مرافق للدكتورة في زياراتها للمنازل وكتاب تعليم الإنجليزية لا يفارق يده.

ترك الشيخ كل أشغاله وتفرغ لمرافقة الطبيبة، وصارت مرافقة الشيخ للطبيبة وهيامه بها حديث الناس، لكن الشيخ تحول الى مراهق لا يبالي بكلام الناس، لدرجة أنه تشاجر مع زوجاته وقال لهن:
_ اللي شتجلس ببيتها جلست واللي معترضة الباب يفوت جمل.
لقد خلع عمامته لأول مرة في حياته، وصار يمشط شعره إلى الخلف كأنه شاب ابن عشرين عاما.
بعد مضي شهر من مرافقة الشيخ للطبيبة لم يعد يتحدث الا بلغة إنجليزية وبشكل مكسر مضحك، يلفظ الكلمة ثم يسرع ويفتح الكتاب ويتأكد هل هي صحيحة ؟
بعد شهر ونصف قررت الطبيبة مغادرة القرية فقد استكملت علاج النساء والأطفال ووزعت عليهم المواد الغذائية، وحينها تفاجأ الناس بما لم يكن يخطر لهم على بال.
لقد غادر الشيخ مع الطبيبة وإلى اليوم لم يعد.

*قصة قصيرة