كتبت: أسماء محمود
على ضفاف هذا النيل الساحر شريان الحياة فى مصر القديمة التى تشرق عليها شمس الحضارة، يسير ذلك المركب الشراعي الذى يفوح منه رائحة التاريخ وسط طبيعة خلابة بين المياه الزرقاء وسحر الجبال الممزوج بجمال الخضرة.
وعندما يلتقي هذا المركب الشراعي بأسراب الحمام يدق حينها القلب بالحنين إلى أرض البركة وعبق التاريخ، حينها تكون وصلت إلى هذه القرية القديمة على الضفة الشرقية لنهر النيل والتي يصل عمرها إلى مئات السنين وتبعد عن مدينة ملوي قرابة 8 كم وعن مدينة المنيا قرابة 46 كم.
اتسمت القرية بالطابع العريق عبر عصور مصر المختلفة، التي تجعلك تدرك أنك “أنت الآن في الأرض المباركة الشيخ عبادة أو كما كان يطلقون عليها أنتونيو بوليس”.
تلك الأرض التى تفوح منها رائحة التاريخ وروحانيات الماضي وتسمع فيها أصوات الفراعنة والإغريق والرومان والأقباط والحضارة الإسلامية، وكذلك بركات منزل السيدة مارية القبطية زوجة النبي محمد عليه الصلاة والسلام.
قرية الشيخ عبادة الأثرية من أشهر القرى القديمة ذات التاريخ العريق
وتعتبر قرية الشيخ عبادة الأثرية مهد للحضارات ذات التاريخ العريق فى عصور مصر المختلفة الفرعونية والقبطية والرومانية والإسلامية، بناها الإمبراطور هادريان وتعتبر من أعظم مناطق مصر الأثرية بعد الأقصر.
قصة “أنتوبوليس” الذى القى نفسه فى النيل فداء للأمبراطور
وعندما تخطو على مشارف قراية لشيخ عبادة، تسترجع قصة تلك القرية التي بدأت فى العصور القديمة عندما كان الإمبراطور هادريان إمبراطور روما فى رحلة نيلية فى مصر، لزيارة آثار مصر، وخلال الزيارة تنبأ العرافون بحدوث أمر جلل وهو خسارة كبرى للأمبراطور، وأنه لا بد من تقديم فداء تجنبًا لهذا الحدث المؤلم، فقام غلامه ويدعى (انتنيوي) بإلقاء نفسه فى النيل فداء للأمبراطور الذي دفن غلامه فى هذه المنطقة، وبنى له قبر كبير ونحت له تماثيل، ولأنه مات فى أحضان النيل رفعه المصريون والإغريق إلى درجة القديسين.
القرية تضم حضارات من كل العصور
قرية الشيخ عبادة تضم على أرضها آثار فرعونية، منها معبد للملك رمسيس الثاني وقد أقامه تكريمًا للإله تحوت، ومعبد آخر فرعونى على طراز معبد الأقصر، ومعبد قبطى وآثار رومانية وإسلامية ومعالم أثرية كبيرة ترجع لجميع العصور.
منزل السيدة مارية القبطية
وعلى مسافة ما يقرب من ٢ كيلومتر، يوجد منزل السيدة مارية القبطية، حيث تعتبر قرية “الشيخ عبادة” مسقط السيدة مارية القبطية زوجة الرسول محمد علية الصلاة والسلام والتي أهداها له المقوقس حاكم مصر في العام السابع للهجرة ومعها ٢٠ ثوبًا من المنسوجات التي إشتهرت بصناعتها محافظة المنيا، ولكن المنزل نال منه الإهمال حتى أصبح محاصرا بمقابر القرية ورغم بركة منزل السيدة مارية التي يتحدث عنها أهالي القرية إلا أنه لا يوجد زائرون للمكان، بسبب بعدها عن المدينة وصعوبة الوصول اليها كما أنها لا تحظى باهتمام سياحي من الحكومة.
مسجد الصحابي “عبادة ابن الصامت”
ويعتبر مسجد الصحابي «عبادة بن الصامت» من أهم المعالم الإسلامية بالقرية وهو صحابي وصل إلى مركز ملوي جنوب المنيا، تزامنا مع الفتح الإسلامي لمصر بحثا عن منزل السيدة مارية القبطية، وإكراما لها بني هذا المسجد العتيق الذي يحمل اسمه حتي يومنا هذا، كما يوجد بئر مياه إلى الآن يتبارك به أهالي القرية ويطلقون عليه بئر الصحابة.
القرية تنتظر وضعها على الخريطة السياحية
إبراهيم الطيب من أبناء القرية، قال إن قرية الشيخ عبادة تحتضن العديد من الأثار التي تنتمي لعصور مختلفة، ورغم ذلك عانت من التهميش والإهمال على مدى عقود وتعرضت آثارها للنهب والسرقات، مطالبا بوضع مزارات القرية على خريطة السياحة العالمية باعتبارها مقصدا سياحيا عالميا يضم جميع الحضارات.
كما أبدى اندهاشه من إهمال وزارتي الآثار والسياحة لتلك المنطقة، بالرغم من قيمتها التاريخية التي تضعها على مقدمة الخريطة العالمية للسياحة وحتى قلعة صلاح الدين التي بُنيت في العصر الأيوبي، أُخِذَت حجارتها من عمائر وبنايات هذه القرية ورغم كل تلك الميزات الأثرية مما يؤهل القرية لجذب السياحة إلا أنها سقطت من حسابات المسئولين وسيطر الإهمال عليها.
رصف الطريق بين الشيخ عبادة وقرية ديرأبوحنس بديلا للمعديات
وأضاف “الطيب” لـ “الحرية”، أن القرية تعاني نقصا فى الخدمات والمرافق وخاصة فيما يخص تمهيد الطرق حيث يعاني الأهالي عند الخروج والدخول من القرية بسبب المعدية والتي تستغرق وقتا طويلا حتى يعبر الأهالي إلى الضفة الأخرى، وهذا يمثل معاناة على كبار السن والأطفال والسيدات.
كما تشكل صعوبة شديدة عند محاولة إنقاذ مريض في حالة الطوارئ وعدم القدرة على نقله سريعا إلى المستشفى، حيث يستغرق نقل المريض إلى المستشفى ساعات، وكذلك في حالة وقوع الحوادث فالمصابين يستغرقون وقتا طويلا حتى يتم نقلهم للمستشفى في فترات النهار، أما فى فترات الليل فلا توجد معديات أو وسائل مواصلات لنقل مرضى الطوارئ مما يمثل خطورة على حياتهم.
وطالب “الطيب” برصف الطريق الواصل بين القرية وبين قرية ديرأبوحنس لأنه طريق ترابي يستغرق ساعات في المرور عليه، مؤكدا أن رصف هذا الطريق وتمهيده يعتبر شريان حياة للقرية.
ولفت أيضا إلى الطريق الفرعوني الواصل بين القرية وبين الصحرواي الشرقى وهو طريق غير ممهد، مطالبا برصف هذا الطريق والذى يمكّن المواطنين من الوصول إلى الطريق الصحرواي الشرقي ومنه الغى مدينة المنيا.
سرعة الإنتهاء من مشروع الصرف الصحي وتركيب خزان مياه
ومن جانبه، طالب العمدة سيد حمدي خليل، بتركيب “خزان مياه” للقرية حتى يدعم القرية بالمياه فى حالة انقطاع المياه، مطالبا أيضا بسرعة توصيل خطوط الصرف الصحي بالقرية حيث تمت عمليات الحفر التي دمرت الطرق منذ ثلاثة سنوات ومازالت الأعمال متوقفة حتى الآن.
الأهالي تطالب بتشغيل المعديات الحكومية
وأضاف محمد عبد الجليل من أبناء القرية، أنهم يطالبون بتشغيل معديات مجلس المدينة وسرعة عمل صيانة لها وسرعة تشغيلها منعا لاستغلال معديات الأهالي، كما طالب بتطوير المرسى حتى يليق بالمكانة التاريخية والأثرية للقرية التي يعاني مواطنوها المشي داخل المياه فى حالة زيادة منسوب مياه النيل والتى أدت أيضا إلى تأكل ضفاف النيل بالمنطقة، مما يجعل المياه تغطي المرسى، الأمر الذي يمثل خطورة على كبار السن والأطفال والمرضى ممن يترددون على المعدية للعبور بين البر الشرقي والغربي.
تطوير مرسى المعديات على ضفتى النيل
وطالب بكر رشدى من أبناء القرية، بوضع القرية على خريطة السياحة للدولة، مشيرا إلى وجود تلال من الأتربة وكميات كبيرة من الفخار المهشم والطوب الأحمر وروث المواشى على بعد خطوات من معبد الملك رمسيس الثانى ومنزل السيدة مارية القبطية زوجة رسولنا الكريم.
وأشار إلى وجود رمال كثيفة تغطي مقابر الصحابة، وكذلك الحال بالنسبة لمسجد الصحابى عبادة بن الصامت الذى يضم مئذنتين، ومصنع البارود الذى أنشأه محمد على باشا، حيث تآكلت غرف وجدران المصنع، مطالبا بالاهتمام بهذه الآثار الإسلامية بما يليق بمكانتها الأثرية ووضعها على خريطة السياحة حتى تصبح قرية الشيخ عبادة مقصدا سياحيا عالميا.