في لحظة فارقة من تاريخ سوريا المعاصر، وبعد إعلان سقوط العاصمة دمشق في أيدي قوى المعارضة بتاريخ 8 ديسمبر 2024، خرج الرئيس السوري السابق بشار الأسد عن صمته ليقدم أول تصريح رسمي حول هذه الأحداث التاريخية.
في خطاب استثنائي، تحدث الأسد عن الظروف المحيطة بسقوط دمشق، انتقاله إلى قاعدة حميميم، ومن ثم إجلاؤه إلى روسيا. وبلهجة مؤثرة، حمل الخطاب رسائل سياسية وإنسانية ودفاعاً عن مواقفه التاريخية وسط تغييرات دراماتيكية.
<span;>ما بين الإقرار بفقدان السيطرة، والتأكيد على الثبات في وجه ما أسماه “الإرهاب”، كشف الأسد تفاصيل دقيقة حول عملية مغادرته دمشق، نافيًا الشائعات التي أُثيرت حول هروبه أو استسلامه. التقرير التالي يقدم قراءة شاملة لما جاء في تصريح الأسد، مدعومًا بتحليل سياقات الأحداث وأثرها على المستقبل السوري.
سقوط دمشق.. لحظة النهاية وبدء مرحلة جديدة
شهدت العاصمة السورية دمشق بتاريخ 8 ديسمبر 2024، حدثًا تاريخيًا تمثل في سيطرة قوات المعارضة المسلحة بعد معارك عنيفة استمرت لأشهر. هذا الحدث لم يكن مجرد انهيار عسكري، بل مثل انهيارًا لآخر رموز النظام السوري، مما وضع البلاد أمام مرحلة غير مسبوقة من التحديات السياسية والإنسانية.
وفقًا لتقارير ميدانية، فإن الهجوم على دمشق كان منظمًا ومحكمًا، استُخدمت فيه تكتيكات عسكرية متقدمة من قبل قوات المعارضة، بالإضافة إلى استخدام الطائرات المسيرة والأسلحة الحديثة. خلال الأسبوع الأخير قبل سقوط المدينة، فقد الجيش السوري السيطرة على مواقع استراتيجية مثل القصر الجمهوري ومطار دمشق الدولي، مما دفع القيادة العسكرية لاتخاذ قرار بالانسحاب الشامل.
تفاصيل خطاب الأسد.. سرد اللحظات الأخيرة
أوضح بشار الأسد تفاصيل الدقائق الحرجة التي عاشتها القيادة السورية خلال سقوط دمشق. وقال الأسد: «لم أغادر سوريا بشكل مخطط له كما أشيع، كما أنني لم أغادر خلال الساعات الأخيرة من المعارك، بل بقيت في دمشق أتابع مسؤولياتي حتى ساعات الصباح الأولى من يوم الأحد 8 ديسمبر».
وأكد أنه انتقل إلى قاعدة حميميم بالتنسيق مع الحلفاء الروس لمتابعة تطورات الوضع الميداني، إلا أن تصعيد الهجمات بالطائرات المسيرة على القاعدة حال دون استمرار العمل منها، مما استدعى إجلاءه إلى روسيا مساء نفس اليوم.
وأوضح «الأسد»، أنه خلال تلك الأحداث لم يطرح موضوع اللجوء أو التنحي من قبلي أو من قبل أي شخص أو جهة، والخيار الوحيد المطروح كان استمرار القتال دفاعاً فى مواجهة الهجوم الإرهابى.
وتابع: «أؤكد على أن من رفض منذ اليوم الأول للحرب أن يقايض خلاص وطنه بخلاص شخصي، أو يساوم على شعبه بعروض وإغراءات شتى، وهو ذاته من وقف مع ضباط وجنود جيشه على خطوط النار الأولى، وعلى مسافة عشرات الأمتار من الإرهابيين في أكثر بؤر الاشتباك سخونة وخطراً، وهو ذاته من لم يغادر في أصعب سنوات الحرب وبقى مع عائلته وشعبه يواجهان الإرهاب تحت القصف وخطر اقتحام الإرهابيين للعاصمة أكثر من مرة خلال أربعة عشر عاماً من الحرب. وأن من لم يتخل عن غير السوريين من مقاومة فى فلسطين ولبنان، ولم يغدر بحلفائه الذين وقفوا معه، لا يمكن أن يكون هو نفس الشخص الذي يتخلى عن شعبه الذى ينتمى إليه، أو يغدر به وبجيشه».
واستكمل: «إننى لم أكن فى يوم من الأيام من الساعين للمناصب على المستوى الشخصي، بل اعتبرت نفسي صاحب مشروع وطني استمد دعمه من شعب آمن به، وقد حملت اليقين بإرادة ذلك الشعب وبقدرته على صون دولته والدفاع عن مؤسساته وخياراته حتى اللحظة الأخيرة. ومع سقوط الدولة بيد الإرهاب، وفقدان القدرة على تقديم أي شيء يصبح المنصب فارغاً لا معنى له، ولا معنى لبقاء المسؤول فيه. وهذا لا يعنى بأى حال من الأحوال التخلي عن الإنتماء الوطني الأصيل إلى سورية وشعبها، انتماء ثابتاً لا يغيره منصب أو ظرف انتماء ملؤه الأمل فى أن تعود سورية حرة مستقلة».
ردود الأفعال الدولية والمحلية
دوليًا
لقي تصريح الأسد تفاعلاً متباينًا. فبينما رحبت بعض الأطراف بتوجهه نحو التهدئة عبر خروجه من سوريا، اعتبرت أطراف أخرى الخطوة إقرارًا ضمنيًا بالهزيمة. روسيا، الحليف الأقرب للنظام السوري، أكدت عبر وزارة خارجيتها أنها قامت بعملية الإجلاء لأسباب أمنية بحتة، نافية أي ضغوط سياسية على الأسد.
محليًا
على الصعيد المحلي، شهدت تصريحات الأسد انقسامًا بين مؤيديه الذين اعتبروها دليلًا على ثباته حتى اللحظة الأخيرة، ومعارضيه الذين رأوا فيها محاولة لتبرير انهيار النظام الذي استمر قرابة عقد ونصف.