في وقتٍ تتعثر فيه الضمائر وتتجمد فيه المشاعر، بزغ من قلب الريف المصري صوت الإنسانية، حين تحرّكت قرية تلبانة التابعة لمركز المنصورة بمحافظة الدقهلية، لتثبت أن الخير لا يعترف بالحدود الجغرافية، وأن العطاء متى ما صدقت النية، لا توقفه الحواجز ولا تغلق أمامه المعابر.
من أهل الخير إلى أهل الصمود
بروح تكافلية خالصة، حشد أبناء القرية، من متطوعين وشباب جمعية تلبانة الخيرية، التبرعات من أموال ومواد غذائية، شملت الزيت والسكر والدقيق والأرز والحبوب، وتم تجهيز قوافل إغاثية إنسانية حملت عنوانًا نبيلًا: “من أهل الخير إلى أهل الصمود”.
قافلة أولى.. وأخرى في الطريق
وصلت القافلة الأولى بالفعل إلى قطاع غزة، حاملة نحو 45 طنًا من الدقيق، في مشهد مؤثر حمل اسم تلبانة على صناديق الرحمة، وجاءت استجابة لتنسيق شعبي ورسمي مثمّن. ومع بدء تجهيز القافلة الثانية التي كانت أكثر استعدادًا وحجمًا، جاء الإغلاق المفاجئ لمعبر رفح من جهة الاحتلال ليضع القائمين على الحملة أمام تحدٍ حرج.
فتوى تحسم الجدل وبدائل مشرّفة
أمام احتمال تلف المواد الغذائية، طُرح خيار بيعها للحفاظ على الأموال، لكن ضمير القائمين على العمل، وفتوى صادرة عن مشيخة الأزهر الشريف، أكدت على ضرورة توجيه أموال التبرعات للغرض الأصلي فقط، وهو دعم أهالي غزة. وهكذا، تم تحويل التبرعات إلى مشروع مستدام يتمثل في إنشاء تكية طعام وسقيا ماء باسم “تلبانة” داخل غزة، تعمل بشكل دوري طوال فترة إغلاق المعبر، ليظل الخير متدفقًا رغم التعثر الظاهري للطريق.
نموذج للشفافية والعمل المؤسسي
لقد قدّم شباب تلبانة نموذجًا يُحتذى به في العمل الخيري، القائم على الشفافية والمحاسبة والإدارة الديمقراطية التشاركية، ما يعكس تطورًا ملحوظًا في الوعي المدني داخل الريف المصري. وتجسّد من خلال هذه المبادرة أن القرية لم تعد فقط حارسةً للعادات، بل حارسةً للمبادئ، حين يُمتحن الضمير الجمعي.
رسالة أمة.. من تلبانة إلى غزة
وفي لفتة تحمل أبعادًا رمزية كبيرة، أعادت هذه المبادرة إلى الأذهان شعار الأمة العربية الإسلامية الواحدة ذات الرسالة الخالدة. فقد كان أبناء تلبانة، فردًا فردًا، في قلب الحدث، يشهد لهم الميدان قبل البيان. فتحية تقدير لهم على ما بذلوه من جهد وعطاء.
تلبانة في قلب غزة، وغزة في وجدان تلبانة. فلنواصل العطاء، ولنعلي راية الصدق والالتزام، فإن الخير لا يُحب الغموض، بل يزدهر تحت ضوء الحقيقة.،،!
