تحل اليوم الذكرى الثانية عشر لرحيل الكاتب الصحفي والأديب أنيس منصور، الذي استطاع حفر اسمه بين أبرز الكتاب والأدباء المصريين، إذ توفى في الحادي والعشرون من شهر أكتوبر عام ٢٠١١.
نشأته
ولد أنيس منصور في ١٨ أغسطس عام ١٩٢٤ في إحدى قرى مركز ومدينة شربين التابعة لمحافظة الدقهلية، وكانت بداية أنيس منصور الأدبية مع القرآن، إذ حفظه في سن صغيرة في كتٌاب القرية وكان له في ذلك الكتاب حكايات عديدة حكى عن بعضها في كتابه «عاشوا في حياتي».
كان الأول في دراسته الثانوية على كل طلبة مصر حينها، ثم التحق بكلية الآداب بجامعة القاهرة برغبته الشخصية بقسم الفلسفة الذي تفوّق فيه وحصل على شهادة الإجازة الجامعية في الآداب عام 1947، ثم عمل أستاذاً في القسم ذاته في جامعة عين شمس لفترة، ثم تفرّغ للكتابة والعمل الصحافي في مؤسسة أخبار اليوم.
مشواره الصحفي
صحب هذا المشوار الصحفي اهتمامه بالكتابة الصحفية، وحافظ على كتابة مقال يومي تميز ببساطة أسلوبه استطاع من خلاله أن يصل بأعمق الأفكار وأكثرها تعقيدًا إلى البسطاء، ظلَّ يعمل في أخبار اليوم حتى تركها في عام 1976 ليكون رئيساً لمجلس إدارة دار المعارف، ثم أصدر مجلة الكواكب.
الملكية والجمهورية
عاصر «منصور» الملكية وشهد حكم عبد الناصر وتأذّى منه وعاصر السادات وكان مقرباً منه حتى أنه رافقه في زيارته للقدس عام ١٩٧٧.
ورافق الرئيس مبارك في بعض أسفاره منها في تورينتو أثناء الزيارة الوحيدة التي قام بها إلى كندا في عام 1983.
كتب منصور في جريدة الأهرام المقال اليومي الأكثر قراءة «مواقف» وكتب أيضاً في صحيفة الشرق الأوسط.وترأّس تحرير العديد من المجلات منها: الجيل، هي، آخر ساعة، أكتوبر، العروة الوثقى، مايو، كاريكاتير، الكاتب، ونقلت مقالاته التي كان يكتبها قديماً إلى صحيفة آخر لحظة.
رحلته إلى القدس
ذكر الأديب الراحل في إحدى لقاءاته أن مرافقته للرئيس كان لها قصة، وقال «كنت قد علمت بتوقيت السفر قبلها بيومين، وكنت على موعد وزوجتي للسفر إلى الأراضي المقدسة لأداء فريضة الحج، وسافرت بالفعل وعندما وصلت هناك راجعت موقفي، وتمنيت لو كنت سافرت في تلك الرحلة، فحادثت الرئيس السادات على الهاتف وقلت له ما في نفسى، فأرسل لي طائرة خاصة أقلتني لتل أبيب، كان شعورا مختلفًا، من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، أدركت وقتها أنه حدث تاريخي قلما يتكرر، العالم كله كانت أنظاره صوب طائرة الرئيس السادات وهو ينزل منها، حتى الفيلسوف الوجودي سارتر أوقف سيارته أمام مقهى في باريس ليرى نزول السادات».
وتابع «لم يصدق الإسرائيليون أن السادات سيأتي بالفعل، والحكومة كانت تظن أن هناك كميناً أعده السادات لهم، وأن الطائرة قد تنفجر في أي لحظة، حتى إنهم وضعوا ميكرفون تنصت في ملابس مدير المراسم ليسجل أي كلام يقول له السادات، الذى نزل وسلم على كل واحد من مستقبليه، فقال لشارون «كنت ستتسبب لنا في كارثة» وعنى بها الثغرة، وسلم على جولدا مائير قائلاً: مرحباً السيدة العجوز، فابتلعتها بصمت، ولكنها ردتها له عند مجيء حفيد له، فأرسلت له باقة ورد كتبت عليها: «من السيدة العجوز إلى السيد العجوز». كان نزول السادات إلى القدس مثل نزول الإنسان على القمر، التف العالم كله حول السادات، حتى الشعب الإسرائيلي ذاته، لأن تلك المبادرة منحت إسرائيل الحياة».
وأضاف «أذكر أنه في مساء ليلة وصولنا تل أبيب، كنت في غرفتي، أشعر بحالة من الذهول والتعب في ذات الوقت، فنمت واستيقظت في العاشرة، على استدعاء الرئيس لي في غرفته في فندق نجمة داوود، فصعدت له، ووجدته في سريره بملابس النوم، فسألني: «أنت نمت يا أنيس؟» فأجبته: «لا يا ريس ده أمر يطير النوم من العين»، فسألني عما رأيته، فقلت له: «أن الشعب الإسرائيلي كان يقف في الشوارع ممسكا بأجهزة الراديو على آذانهم غير مصدقين حتى رأوك رأى العين»، فقال لي: «إذا لقد استرددنا سيناء»، فسألته: «كيف يا ريس»، فقال لي: «إسرائيل تُحكم من الشارع، ورجل الشارع أعطانا رأيه، هؤلاء ليسوا مثل رجل الشارع لدينا، ندفع له فيردد بالروح بالدم. و«بيجن» ارتكب غلطة عمره لأنه وافق على زيارتي تلك».
أبرز مؤلفاته
فيما يخص دولة إسرائيل ألف كتاب بعنوان «وجع في قلب إسرائيل» وكان يضم مجموعة مقالات تتناول اليهود بشكل عام وإسرائيل بشكل خاص.
فيما تحول عدد كبير من مؤلفات الأديب الراحل إلى مسلسلات تلفزيونية التي ترسخت بأذهان المصريين وكان أبرزها من الذي لا يحب فاطمة، حقنة بنج، اتنين..اتنين، عريس فاطمة، غاضبون وغاضبات، هي وغيرها، هي وعشاقها، العبقري، القلب بدأ يدق، يعود الماضي يعود وتحوّل بعضها إلي أفلام منها: آسف للإزعاج.
والحياة الثرية التي عاشها أنيس منصور في دنيا الكتابة والتأليف بالعربية قادته أيضا إلى عالم الترجمة، إذ ترجم العديد من الكتب والأعمال الأدبية إلى العربية، كما ترجم أكثر من 9 مسرحيات بلغات مختلفة وحوالي 5 روايات مترجمة، ونحو 12 كتابا لفلاسفة أوروبيين، كما ألّف أكثر من 13 مسرحية باللغة العربية.
معاركه
خاض «منصور» العديد من المعارك كان أبرزها هو اتهامه بالتطبيع، بعد إجراء حديث تليفزيوني معه نادى فيه بتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني من أجل حل مشاكل الفلسطينيين، مشددا على أن معارضة التطبيع هو رفض للسلام وحل القضية، كما أوضح أن مصر تعرضت للاحتلال الإنجليزي قرابة الـ 70 عاما، وكذلك الاحتلال الفرنسي واليوناني والرومان، ومع ذلك فالعلاقات قائمة ووثيقة ومتينة ومميزة.
وهذه التصريحات غضب منها الكثير من السياسيين والكتاب حتى اتهموه بالتطبيع مع إسرائيل.
ماذا قال عن القضية الفلسطينية؟
في إحدى مقالاته كتب «منصور»: الفلسطينيون مزقوا أنفسهم. أحزاباً وشيعاً ليواجهوا إسرائيل ضعافا فلا تعرف إلى من تتكلم ومع من تتفاوض. فبين الفلسطينيين من يرفض التفاوض.. ومنهم من يريد أن يبدأ بالقضايا الصعبة ثم السهلة بعد ذلك. يريدون أن يتفاوضوا على القدس عاصمة لهم..
وفي إسرائيل انقسامات فيها أربعون حزباً. ولكنهم اعتادوا على الحكومات الائتلافية. وبرعوا في تنسيق الأحزاب وانسجامها. ففي إسرائيل حزب ديني قوي يرفض التفاوض على القدس. وقد لا تستطيع السيدة ليفني أن تشكل حكومة. إذن فالانتخابات في العام القادم..
وأمريكا تنتظر رئيسًا جديدًا يحتاج إلى ترتيب البيت ووضع الأولويات.. وأمامه مشاكل لا أول لها ولا آخر..
ومنظمة التحرير سوف تختار لها رئيسًا وهو أيضًا عنده كلام. وقد لا يلتزم بما فعله سلفه الكبير. وقد لا يفلح في توحيد الصفوف.. وقد لا نفلح نحن أيضًا. وقد تقع لنا مشاكل عند رفح وفي أماكن أخرى..
وإسرائيل عندها مشاكل. فالرئيسة الجديدة عندها مشاكل في داخل الحزب الذي ترأسه ومع الأحزاب الأخرى. ولا بد من التوافق والتوفيق والتلفيق أيضًا. وهي ليست على وفاق مع أولمرت الرئيس السابق. وإنما لها رأي.. وهي متشددة. أو سوف تكون أمام اتهامها بأنها بلا تجارب..
ولما قالوا لها: أنت جولدا مائير الثانية قالت بل أنا تسيبي ليفني الأولى!
وسوف نرى أن كل شيء سوف يتأجل عاماً آخر أو عامين!
أبرز جوائزه الأدبية
حصل «منصور» في حياته على الكثير من الجوائز الأدبية من مصر وخارجها ومن أبرزها الدكتوراه الفخرية من جامعة المنصورة وجائزة الفارس الذهبي من التلفزيون المصري وجائزة الدولة التشجيعية في مصر في مجال الأدب. كما له تمثال بمدينة المنصورة يعكس مدى فخر بلده به.
رحيله
توفي صباح يوم الجمعة الموافق 21 أكتوبر 2011 عن عمر ناهز 87 عاماً بمستشفى الصفا بعد تدهور حالته الصحية على إثر إصابته بالتهاب رئوي وأقيمت الجنازة يوم السبت بمسجد عمر مكرم بعد صلاة الظهر. ودفن بمدافن الأسرة بمصر الجديدة بعد تشييع جثمانه