منذ 2011، شهدت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا تعاقباً مستمراً لرؤسائها، سواء كانوا دبلوماسيين أو سياسيين من مختلف الجنسيات. وفي كل مرة، كانت “الاستقالة” هي الخاتمة الطبيعية لمهامهم بسبب تعثر الحلول السياسية واستمرار الأزمة الليبية دون انفراج.
تعيين الدبلوماسية الأمريكية ستيفاني خوري، نائبة لـ رئيس البعثة الأممية، جاء في أعقاب استقالة المبعوث الأممي عبد الله باتيلي في منتصف أبريل الماضي. في هذا السياق، بدت خوري خلال الأسابيع الماضية كمن يخوض معركة ضد الزمن، ملتقية بالأطراف الليبية المختلفة في محاولة لدفع العملية السياسية إلى الأمام، وإنهاء الانقسام الداخلي، وتحقيق المصالحة والسلام.
ستيفاني خوري.. دبلوماسية أمريكية تواجه التحديات في ليبيا
خوري، التي تتمتع بخبرة واسعة في إدارة أزمات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حددت هدفها الأساسي في مهمتها الأممية بليبيا بأنه تيسير “عملية سياسية وطنية شاملة يقودها الليبيون”، وفقاً لما قالته في إحاطتها الأولى أمام مجلس الأمن مؤخراً. وقد استعرضت في تلك الإحاطة نتائج مشاوراتها مع الأفرقاء الليبيين على مدى الأسابيع الماضية. ومع ذلك، تظل هناك تساؤلات حول مدى قدرتها على خلق بيئة سياسية تمكن ليبيا من تجاوز تحديات الانتخابات المقبلة في نهاية العام، خاصة في ظل التناقضات والتوازنات بين الأطراف المتنازعة، واستمرار تنافس القوى الدولية على النفوذ داخل البلاد.
من هي ستيفاني خوري؟ الدبلوماسية الأمريكية ودورها في حل الأزمة الليبية
ستيفاني خوري، الدبلوماسية الأمريكية من أصول لبنانية والتي تجيد اللغتين العربية والإنجليزية، حازت على درجة البكالوريوس في الآداب من جامعة تكساس الأمريكية، وكذلك على درجة الإجازة في القانون من الجامعة ذاتها. وعملت كباحثة في كلية الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن. كما قدمت مساهمات هامة لدعم عمليات السلام والاستقرار من خلال التعاون مع منظمات غير حكومية، مثل منظمة “البحث عن أرضية مشتركة”، التي تعنى بتعزيز جهود السلام والاستقرار في نحو 33 دولة حول العالم.
اقتراب خوري من قضايا المنطقة جاء نتيجة مهامها العملية مع الأمم المتحدة لأكثر من 15 عاماً، حيث عملت في دول عربية شهدت صراعات، مثل العراق ولبنان وليبيا وسوريا واليمن والسودان. عملت سابقاً مع بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بين عامي 2011 و2013، ثم عُيّنت ممثلة عن مكتب المستشار الخاص للأمم المتحدة في العاصمة اليمنية صنعاء، ومديرة لمكتب المنسق الخاص للأمم المتحدة في العاصمة اللبنانية بيروت، وممثلة لمبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا.
في السودان، شغلت خوري منصب القائم بأعمال بعثة الأمم المتحدة المتكاملة للمساعدة خلال الفترة الانتقالية في السودان عام 2021، ثم مدير الشؤون السياسية للبعثة الأممية في السودان عام 2022. وعادت مجدداً إلى بعثة الأمم المتحدة في ليبيا كنائب للممثل الخاص للشؤون السياسية في مارس الماضي، لتقود مهام البعثة الأممية بعد استقالة باتيلي.
بالرغم من خبراتها الواسعة، يرى بعض المراقبين أن خوري لم تحقق أي إنجازات أو تسويات سياسية في الدول التي خدمت فيها. يستند هؤلاء إلى إخفاقها في تجاوز الخلافات بين “المكونين العسكري والمدني” في السودان خلال الفترة الانتقالية عام 2021، حيث رأت أن دور البعثة الأممية يتمحور حول “الاستماع إلى أصحاب المصلحة السودانيين وتوثيق رؤاهم ومقترحاتهم”.
تعتبر خوري العاشرة التي تُسند إليها مهام البعثة الأممية في ليبيا منذ 2011. تتولى مهمتها في ظل انتقادات واسعة للبعثة، حيث يعتبرها البعض عاجزة عن تحريك “الجمود” السياسي. ويضاف إلى ذلك إرث من الإخفاقات التي تلاحق المبعوثين الأمميين السابقين، ما يجعل مهمتها الأولى استعادة الثقة في دور البعثة.
خوري ليست الأمريكية الوحيدة التي قادت البعثة الأممية في ليبيا، فقد سبقتها ستيفاني ويليامز التي أشادت الأمم المتحدة بجهودها في دفع خريطة الانتخابات وتشكيل حكومة “وحدة وطنية” عام 2021. ويتوقع المراقبون أن تعيد “ستيفاني الثانية” الدور ذاته الذي لعبته مواطنتها، خاصة إذا حظيت بدعم كافٍ من الإدارة الأمريكية، لكن هذه التوقعات تقابلها تصريحات عديدة من السياسيين الليبيين، الذين يقللون من قدرتها على إحداث تغيير في العملية السياسية الليبية في ظل تعقيدات “النفوذ الدولي”.
بعثة الأمم المتحدة في ليبيا.. تحديات واستراتيجيات ستيفاني خوري
تصطدم مهمة خوري بمجموعة من التحديات، أبرزها القدرة على تحريك المشهد السياسي المجمد، وإنهاء الانقسام السياسي الداخلي، وإقناع الأطراف المتنازعة بإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المؤجلة منذ عام 2021. تسعى خوري لجمع الأفرقاء الليبيين على طاولة حوار لإنهاء الفوضى القائمة بسبب تنافس حكومتين على السلطة.
رسمت خوري “خريطة طريق” لمهمتها في رسالة مصورة بثتها البعثة الأممية عبر صفحاتها على منصات التواصل في مايو الماضي. تعهدت بمساندة الليبيين على تجنيب البلاد مخاطر الانقسام والعنف وهدر الموارد، من خلال تيسير عملية سياسية شاملة يقودها الليبيون، بمن فيهم النساء والشباب ومختلف المكونات. أكدت التزام البعثة بالعمل على دعم إجراء انتخابات وطنية شاملة حرة ونزيهة، وإعادة الشرعية للمؤسسات الليبية، ودعم عملية مصالحة وطنية شاملة مع كل الشركاء، والعمل مع الليبيين على تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار بشكل كامل ومستدام.
طوال الأسابيع الماضية، كثفت خوري لقاءاتها مع الأفرقاء في مناطق عديدة بين الشرق والغرب الليبيين، ونشرت عبر حسابها بمنصة “إكس” إفادات عن نتائج المشاورات. شملت اللقاءات والمشاورات رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، ورئيس الحكومة منتهية الولاية عبد الحميد الدبيبة، ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح، والقائد العام لـ”الجيش الوطني المشير خليفة حفتر، بالإضافة إلى المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا، وممثلي الأحزاب الليبية، ونشطاء مدنيين. أجرت خوري مشاورات مع سفراء دول أجنبية لدى ليبيا، مؤكدةً أنها ناقشت “سبل الخروج من الانسداد الراهن والدفع بالعملية السياسية للأمام، وتهيئة الظروف المواتية لإجراء الانتخابات، وتعزيز اتفاق وقف إطلاق النار والحفاظ على وحدة ليبيا وسيادتها”.
في إحاطتها الأولى أمام مجلس الأمن حول الأوضاع في ليبيا، تكلمت خوري عن مشروع “عملية سياسية شاملة يقودها الليبيون” لتخطي الجمود السياسي الراهن، وأشارت إلى حاجة الليبيين لاتفاق سياسي يمهد لإجراء انتخابات ذات مصداقية. وترى المسؤولة الأممية وجود فرصة لدفع عملية المصالحة الوطنية في ليبيا، مستندةً إلى اتفاق “المجلس الرئاسي” ومجلس النواب على مشروع قانون واحد للمصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية. لكن في الوقت ذاته، ترى خطورة في “هشاشة الوضع الليبي” في مواجهة تحديات عديدة، أهمها وضعية الانقسام الداخلي بوجود مؤسسات حكم موازية. إلى جانب مسار الحل السياسي، تسعى خوري لدفع عملية إجراء انتخابات محلية، خاصة مع إطلاق اللجنة الوطنية العليا للانتخابات عملية تسجيل الناخبين للانتخابات البلدية في 60 بلدية في جميع أنحاء ليبيا، والعمل على تمكين أكبر للشباب والمرأة.
من ناحية أخرى، يرى بعض المراقبين أن النفوذ الدولي في ليبيا يحد من خيارات خوري في التعامل مع الأزمة الليبية. يربط هؤلاء بين تعيينها في البعثة الأممية والتحولات في السياسة الأمريكية تجاه الأزمة الليبية، مشيرين إلى أن “واشنطن تعول على دورها في مواجهة المنافسة من بعض القوى الدولية في الساحة الليبية، مثل النفوذ الروسي والتركي والفرنسي”. تبقى قضية النفوذ الدولي واحدة من الإشكاليات التي يجب على خوري مواجهتها. وكيل وزارة الخارجية بالحكومة الليبية المؤقتة، حسن الصغير، عبر عن هذه الإشكالية بقوله إن “تعيين ستيفاني خوري نائباً للمبعوث الأممي يعيد الصراع بشكل رسمي ومباشر من صراع إقليمي لصراع دولي”، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن ذلك قد يساهم في الوصول إلى انفراجة مرحلية في الملف الليبي.