في الوقت الذي يعاني فيه الشعب الليبي من الأزمات السياسية والاقتصادية المتفاقمة، يبدو أن محمد تكالة رئيس مجلس الدولة يتخذ موقفًا يعرقل محاولات إنهاء الأزمة الراهنة. رفض تكالة القاطع لفتح باب الترشح لرئاسة الحكومة الموحدة يعكس توجهًا لحماية حليفه القوي، عبدالحميد الدبيبة، وحكومته منتهية الولاية. هذا الموقف الذي أعلنه تكالة في بيان رسمي، جاء رغم الاتفاق الثلاثي الذي جرى في القاهرة برعاية جامعة الدول العربية، والذي كان يهدف إلى وضع آليات تنفيذ بنود الحل السياسي الشامل في ليبيا.
تكالة، في بيانه، أكد التمسك بالإطار العام للحل السياسي المتضمن في البيان الثلاثي، والذي لم يتم الاتفاق على آليات تنفيذه بعد. اللقاء الثلاثي الذي جمعه مع عقيلة صالح رئيس مجلس النواب، ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، كان فرصة نادرة لوضع حد للأزمة السياسية، لكنه تعثر بسبب الخطوات المنفردة التي اتخذها مجلس النواب، بما في ذلك اعتماد ميزانية ضخمة دون توافق، ما أدى إلى تكريس الانقسام بحسب ما أعلن رئيس مجلس الدولة.
من زاوية أخرى، يرى مراقبون أن رفض تكالة لفتح باب الترشح يعزز موقف حكومة الدبيبة، التي تواجه انتقادات واسعة لفشلها في تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي. هذه الحكومة التي انتهت ولايتها القانونية، تجد في موقف تكالة درعًا يحميها من محاولات تغييرها، مما يزيد من تعقيد المشهد السياسي في ليبيا.
تكالة دعا مجلس النواب لعدم الاستمرار في اتخاذ خطوات منفردة، محذرًا من تكرار الفشل وتكريس الانقسام. إلا أن هذه الدعوة قد تكون في نظر البعض، محاولة لإطالة أمد الأزمة السياسية الحالية والحفاظ على الوضع الراهن الذي يخدم مصالح معينة.
وفي سياق متصل، تبرز أهمية الدور الذي تلعبه جامعة الدول العربية، في رعاية اللقاءات الثلاثية ومحاولاتها المستمرة لدعم العملية السياسية في ليبيا. إلا أن الخطوات المنفردة من قبل الأطراف المختلفة تعيق هذه الجهود وتزيد من تعقيد الأوضاع. تكالة، من جانبه، أرسل رسالة واضحة بأن مجلس الدولة لن يعترف بأي إجراءات من طرف واحد، مؤكدًا أن الحل السياسي الشامل يتطلب التوافق والشراكة بين جميع الأطراف.
في هذا الإطار، يبقى التساؤل الأكبر هو كيف يمكن للأطراف الليبية تجاوز هذه الخلافات والتوصل إلى آليات تنفيذية تضمن تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي في البلاد. فالرهانات العالية والضغوط الداخلية والخارجية تتطلب من جميع الأطراف التحلي بالمسؤولية الوطنية والتخلي عن المصالح الضيقة لصالح مستقبل البلاد.
المشهد السياسي الليبي يظل مفتوحًا على كل الاحتمالات، حيث يتطلب الأمر حكمة وشجاعة من جميع الأطراف للوصول إلى حلول توافقية تعيد للبلاد استقرارها وأمنها. تكالة، في موقفه الرافض للخطوات المنفردة، يعكس توجهًا قد يبدو في ظاهره حرصًا على التوافق، لكنه في الوقت نفسه يُعتبر عقبة أمام أي محاولة جادة لإنهاء الأزمة الراهنة وتشكيل حكومة جديدة قادرة على مواجهة التحديات.
ومع استمرار هذا الوضع المعقد، تظل آمال الليبيين معلقة على توافق داخلي ودعم إقليمي ودولي لتحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي. جامعة الدول العربية والمجتمع الدولي عليهما دور كبير في دعم هذه الجهود وضمان تحقيق التوافق والشراكة بين الأطراف الليبية المختلفة، لتحقيق مستقبل أفضل للبلاد والخروج من حالة الانقسام والفوضى التي تعاني منها منذ سنوات.