في حادثة مروّعة هزت مدينة أجدابيا، لقي الطفل سالم منذر السعيطي، البالغ من العمر أربع سنوات، مصرعه إثر هجوم نمر كان يربيه والده في مزرعة خاصة. هذا الحادث الأليم لم يكتفِ بترك ندبة عميقة في قلوب عائلته، بل أثار جدلاً واسعاً في المجتمع الليبي، مدفوعاً بتساؤلات ملحة حول ظاهرة تربية الحيوانات المفترسة وأبعادها الخطيرة.
تروي التفاصيل أن الطفل كان يلعب بجوار والده عندما اقترب من النمر المربوط دون أن يدرك الخطر المحدق به. النمر، الذي أصبح كابوساً في لحظات قليلة، هاجم الطفل بكل وحشية، ما أدى إلى وفاته على الفور. هذه الحادثة لم تكن مجرد مأساة شخصية، بل كانت صرخة مدوية في وجه كل من تسول له نفسه تربية حيوانات مفترسة في أماكن سكنية أو مناطق غير مخصصة لها.
سرعان ما انتشرت أخبار الحادثة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث عبّر العديد من الليبيين عن غضبهم واستيائهم من هذه الظاهرة المتنامية. وكتبت الناشطة إيمان شحيمة تعليقاً على الحادثة: “الأب يتحمّل المسؤولية كاملة في موت ابنه، لأن النمر حيوان خلقه الله للعيش في الغابة بين الحيوانات ومنحه غريزة الافتراس، فجلبه الإنسان للعيش بين البشر في مكان مغلق، ليصبح خطرا على سلامة العامة”.
في خطوة تعكس التفاعل السريع من الحكومة الليبية، أصدر رئيس الحكومة المكلفة من البرلمان، أسامة حماد، قراراً بحظر تربية الحيوانات المفترسة في المنازل والمزارع أو الأماكن الخاصة. هذا القرار جاء بعد أقل من 24 ساعة من وقوع الحادثة، ليؤكد على الجدية في التعامل مع هذه الظاهرة التي باتت تهدد سلامة المواطنين.
وفقاً للبيان الحكومي، مُنحت مهلة 15 يوماً لتسليم هذه الحيوانات لوزارة الداخلية، تمهيداً لإيداعها في الأماكن المخصصة لها. كما حظرت الحكومة استيراد أو إدخال الحيوانات المفترسة إلى إقليم الدولة، محذّرة المخالفين بعقوبات صارمة.
تفتح هذه الحادثة المأساوية الباب أمام تساؤلات عديدة حول دور الجهات الأمنية في مراقبة ومنع تربية الحيوانات المفترسة داخل المناطق السكنية. أين كانت الجهات الرقابية حينما تم إدخال النمر إلى المزرعة؟ وكيف يُسمح لمثل هذه الحيوانات بالتواجد في مناطق مأهولة بالسكان دون رادع أو متابعة؟
يُجمع العديد من النشطاء والمواطنين على ضرورة تشديد القوانين المتعلقة بتربية الحيوانات المفترسة وتطبيق الرقابة الصارمة لمنع تكرار مثل هذه الحوادث. وتساءلت الناشطة سمية أشويب: “أيعقل تربية النمور في المزارع وفي المنازل؟ كيف يتم إدخالها إلى المدينة وأين الجهات الأمنية من كل هذه التجاوزات؟ هل نسي الإنسان أن هذه الحيوانات تميل لغرائزها الطبيعية؟”، داعية جميع المواطنين إلى الإبلاغ عن أماكن تواجد هذه الحيوانات المفترسة سواء في المنازل أو المزارع.
تُعد تربية الحيوانات المفترسة ظاهرة منتشرة في ليبيا، وكثيراً ما شوهدت أسود ونمور تتجوّل برفقة أصحابها في الشوارع والأماكن العامة وداخل الأحياء السكنية. هذه الممارسات تعكس استهتاراً بالأرواح وتجاوزاً للقوانين التي ينبغي أن تكون صارمة في مثل هذه الحالات.
حادثة مقتل الطفل سالم منذر السعيطي ليست مجرد حادثة عابرة، بل هي جرس إنذار يستدعي تحركاً عاجلاً من كافة الجهات المعنية. يجب أن تكون هذه الحادثة نقطة تحول نحو قوانين أكثر صرامة ورقابة أكثر فعالية لحماية الأرواح وضمان سلامة المواطنين. إن التفاعل السريع من الحكومة خطوة إيجابية، ولكنها تحتاج إلى متابعة وتنفيذ حقيقي على أرض الواقع لضمان عدم تكرار مثل هذه المآسي.
في نهاية المطاف، تبقى المسؤولية مشتركة بين الحكومة والمواطنين. فبينما يتوجب على الحكومة تطبيق القوانين بصرامة، يتعين على المواطنين الالتزام بها والإبلاغ عن أي تجاوزات تهدد سلامة المجتمع. فقط بالتعاون المشترك يمكننا أن نضمن حياة آمنة للجميع ونضع حداً لظاهرة تربية الحيوانات المفترسة في بلادنا.