في ظل التوترات السياسية والاقتصادية التي تعصف بليبيا، تزداد المخاوف من أن البلاد قد تنزلق نحو مرحلة جديدة من الفوضى، وذلك بعد تداول أخبار تفيد بنية رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، إقالة الصديق الكبير، محافظ مصرف ليبيا المركزي. هذا التحرك المحتمل يأتي في وقت يشهد فيه المصرف المركزي تحركات مقلقة من قبل جماعات مسلحة تحيط بمقره، مما يزيد من تعقيد المشهد ويثير القلق بشأن استقرار البلاد.
في هذا السياق، جاء بيان مجلس النواب الأخير ليعبر عن رفضه القاطع لأي محاولات للعبث بمؤسسات الدولة السيادية، وعلى رأسها مصرف ليبيا المركزي. فالمجلس حذر من أن هذه التحركات، إذا ما تمت، قد تكون لها تداعيات خطيرة على الاقتصاد الوطني وعلى استقرار ليبيا ككل.
وجاءت هذه التحذيرات وسط تقارير تشير إلى تحالف بين المنفي وعبد الحميد الدبيبة، رئيس الحكومة منتهية الولاية، للإطاحة بالصديق الكبير. الدبيبة، الذي يواجه انتقادات حادة بسبب استمراره في السلطة بعد انتهاء ولايته، قد يكون يسعى من خلال هذا التحالف لإعادة السيطرة على المصرف المركزي، وضمان استمرار تدفق الأموال لدعم حكومته.
لم يقتصر القلق على الداخل الليبي فحسب، بل امتد ليشمل المجتمع الدولي. ففي خطوة تعكس مدى الاهتمام العالمي بما يحدث في ليبيا، التقى السفير الأمريكي والمبعوث الخاص إلى ليبيا، ريتشارد نورلاند، مع الصديق الكبير لمناقشة التحركات الأخيرة. وأكد نورلاند في تصريحاته على ضرورة حماية نزاهة مصرف ليبيا المركزي، محذراً من أن أي محاولة لاستبدال قيادة المصرف بالقوة قد تؤدي إلى عواقب وخيمة، بما في ذلك فقدان ليبيا إمكانية الوصول إلى الأسواق المالية الدولية. كما أشار إلى أن التهديدات التي تواجه موظفي المصرف المركزي هي غير مقبولة، وأن النزاعات حول توزيع ثروات ليبيا يجب أن تُحل عبر مفاوضات شفافة وشاملة.
التحذيرات التي أطلقها السفير نورلاند تأتي في وقت حساس، حيث أصبحت ليبيا ساحة مفتوحة للتدخلات الخارجية، وكل خطوة داخلية، سواء كانت صغيرة أو كبيرة، يمكن أن يكون لها تأثيرات بعيدة المدى على الوضع العام في البلاد. ولذلك، فإن تصريحات نورلاند تسلط الضوء على مدى خطورة التحركات الحالية، وتدعو كافة الأطراف إلى التروي والتفكير ملياً في العواقب قبل اتخاذ أي قرارات قد تزيد من تعقيد الوضع.
من جهة أخرى، أبدى مجلس النواب مخاوفه من أن تكون هذه التحركات مقدمة لانزلاق البلاد نحو فوضى جديدة. ففي بيانه الأخير، شدد المجلس على أن أي محاولة لإقالة محافظ مصرف ليبيا المركزي خارج الأطر القانونية ستعتبر تعدياً على سيادة الدولة ومؤسساتها. المجلس أشار أيضاً إلى أن قرارات التكليف أو الإقالة يجب أن تكون مدفوعة بمصلحة الشعب الليبي، وليس لمصالح سياسية ضيقة.
المخاطر التي أشار إليها مجلس النواب والسفير الأمريكي ترتبط بشكل مباشر بالجمود السياسي المستمر في البلاد. هذا الجمود، الذي يتسبب في تعطيل العديد من المؤسسات الحيوية، يعزز من حالة الاضطراب وعدم الاستقرار، ويفتح الباب أمام الجماعات المسلحة للعب دور أكبر في المشهد السياسي. وما يزيد من تعقيد الوضع هو وجود تحالفات سياسية قد تكون لها أهداف خفية تتعارض مع المصلحة الوطنية.
من جهة أخرى، يعكس هذا التصعيد في الأوضاع مدى هشاشة المؤسسات الليبية في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية. فمصرف ليبيا المركزي، الذي يُعد من أهم مؤسسات الدولة، وجد نفسه في مرمى الصراع السياسي، ما يعزز من المخاوف بشأن مصير البلاد ومستقبلها.
مع تزايد هذه المخاوف، دعا مجلس النواب النائب العام إلى التدخل واتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية المصرف المركزي من أي تهديدات. المجلس شدد على أن الحفاظ على المؤسسات السيادية هو مسؤولية وطنية وأخلاقية، وأن أي محاولة للمساس بها ستواجه برد فعل حازم من قبل الدولة.
في الوقت ذاته، لم يغفل مجلس النواب عن التوجه بنداء إلى المجتمع الدولي، مطالباً بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا باتخاذ موقف واضح وجاد ضد هذه التحركات العبثية. فالتهديد الذي يواجهه مصرف ليبيا المركزي لا يقتصر على الداخل فقط، بل يمتد ليشمل مخاطر قد تؤثر على استقرار المنطقة بأسرها.
إن هذا التصعيد الأخير يضع ليبيا أمام تحديات جسيمة، حيث تقف البلاد على حافة منعطف خطير. فإقالة محافظ مصرف ليبيا المركزي قد تبدو للبعض خطوة ضرورية، لكنها في الواقع قد تكون شرارة جديدة تشعل فتيل الفوضى. وإذا لم يتم التعامل بحكمة مع هذا الوضع، فإن البلاد قد تجد نفسها أمام سيناريوهات كارثية قد تعيدها إلى نقطة الصفر.
ما يحتاجه الليبيون في هذه اللحظة هو قيادة واعية قادرة على اتخاذ قرارات تتماشى مع مصلحة الوطن والشعب، بعيداً عن الأهواء السياسية والتحالفات الضيقة. ومصرف ليبيا المركزي، كغيره من المؤسسات السيادية، يجب أن يظل محصناً ضد التجاذبات السياسية، ليكون بحق حارساً أميناً على ثروات الأمة.
في النهاية، يتطلب الوضع في ليبيا تحركاً سريعاً وحاسماً من قبل كافة الأطراف، لضمان حماية مؤسسات الدولة والحفاظ على استقرار البلاد. وأي تأخير في اتخاذ القرارات الصحيحة قد يكلف ليبيا الكثير، ويضعها على طريق مجهول مليء بالمخاطر والتحديات.