عقد مجلس الأمن الدولي جلسة طارئة لمناقشة الوضع المتدهور في ليبيا، حيث أصبحت البلاد مسرحًا لصراعات سياسية وعسكرية تهدد استقرارها. جاءت هذه الجلسة في ظل تصاعد التوترات بين الأطراف المتصارعة في ليبيا، وذلك على خلفية سلسلة من القرارات الأحادية التي اتخذتها جهات مختلفة داخل البلاد. هذه القرارات، التي شملت محاولة عزل محافظ البنك المركزي ورئيس الحكومة منتهية الولاية عبد الحميد الدبيبة، أدت إلى تفاقم الأزمة وزيادة الانقسامات بين الشرق والغرب، في وقت تستمر فيه التحركات العسكرية في الجنوب بإثارة قلق الجيران، خاصة الجزائر.
التوترات العسكرية:
مع تصاعد الأزمة السياسية، شهدت ليبيا تحركات عسكرية جديدة جنوب البلاد، حيث أعلن الجيش الليبي عن تحركه لتأمين الحدود. هذا التحرك، الذي برره الجيش بأنه يأتي في إطار تأمين البلاد، قوبل بردود فعل قوية من المجموعات المسلحة في طرابلس، التي اعتبرت هذه التحركات تهديدًا مباشرًا لها. وتزامن هذا مع تصاعد التوترات في الجزائر التي أعربت عن قلقها من هذه التحركات، محذرة من أن هذه التحركات قد تتسبب في تعبئة عسكرية على حدودها مع ليبيا.
في هذا السياق، اقترحت الأمم المتحدة، ممثلة في مبعوثتها ستيفاني خوري، إنشاء آلية تنسيق محلية لتجنب أي تصعيد إضافي قد يؤدي إلى اندلاع صراعات مسلحة جديدة. وقد شهدت الأيام الأخيرة اشتباكات عنيفة في منطقة تاجوراء، حيث تصادمت قوات تابعة لحكومة الدبيبة مع مجموعات مسلحة أخرى، مما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى.
القرارات الأحادية وتأثيرها على الأزمة:
وأوضحت خوري في إحاطتها أما مج أن أحد أبرز مظاهر الأزمة الحالية هو تزايد القرارات الأحادية التي اتخذتها أطراف النزاع، والتي أدت إلى تفاقم الانقسامات في البلاد. من بين هذه القرارات، اعتماد مجلس النواب ميزانية موحدة بدون التوافق مع قادة الغرب، مما أدى إلى رفض هذه الميزانية من قبل الأطراف الغربية، وهو ما قوبل برفض واسع في طرابلس والمناطق الغربية التي ترى في هذه المحاولة محاولة لتقويض دورهم السياسي.
وأضافت خوري أن ليبيا شهدت محاولة عزل محافظ البنك المركزي، الصديق الكبير جاءت بسبب شعور قادة الغرب بأن البنك المركزي ينحاز في إنفاقه لصالح الشرق، ما أدى إلى تصاعد التوترات في العاصمة، خاصة بعد تقارير عن تحركات عسكرية للسيطرة على المصرف المركزي.
وأشارت خوري في إحاطتها إلى أن ليبيا شهدت خلال الفترة الأخيرة، تحركات عديدة في السوق المركزي. حيث أشارت تقارير محلية ودولية إلى أن هذه التحركات تسببت في توتر بين المجموعات المسلحة في طرابلس
الموقف الدولي ودور مجلس الأمن:
في هذا السياق المتأزم، أكد مندوب المملكة المتحدة، أن التسوية السياسية في ليبيا لا تزال بعيدة المنال، مشيرًا إلى أن الاشتباكات الأخيرة وإغلاق حقول النفط تظهر هشاشة الوضع الحالي. كما أشار إلى ضرورة إشراك جميع الأطراف في أي مبادرة سياسية تجري خارج إطار الأمم المتحدة إذا ما أريد لها النجاح.
كما عبر مندوب الصين عن قلقه البالغ إزاء التدهور الأمني في البلاد، داعيًا إلى ضرورة الحفاظ على وقف إطلاق النار وتجنب أي تصعيد قد يؤدي إلى عودة الصراع المسلح. وأضاف قائلاً: “هناك صراع تصفية حسابات دولية في ليبيا والبلد لا يحتمل هذا الصراع”. وشدد على ضرورة أن يتحلى جميع الأطراف بأقصى درجات ضبط النفس لتجنب أي تصعيد غير محسوب.
من جانبها، شددت مندوب فرنسا على أهمية تشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة وإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في أسرع وقت ممكن. وأوضحت مندوب فرنسا أن بلادها ترحب بالحوار الجاري بين أعضاء مجلسي النواب والدولة في القاهرة، مؤكدةَ ضرورة استمرار هذه الجهود للحفاظ على وحدة ليبيا.
وأشار مندوب روسيا إلى أهمية تغيير الوضع في ليبيا عبر عملية سياسية جامعة بقيادة ليبية، مدعومة من كل الجهات النافذة في البلاد. وأضاف أن التحركات العسكرية الأخيرة خارج اتفاق اللجنة العسكرية تهدد بالعودة إلى الصراع المسلح، ما يستوجب تفعيل آليات الحوار والوساطة بشكل أكبر.
الردود الليبية:
من جانبها، عبرت ليبيا عن قلقها من تزايد وتيرة الأزمات والخلافات الداخلية. وأكد مندوب ليبيا لدى الأمم المتحدة، طاهر السني، أن أي إجراءات أحادية من أي طرف تشكل تهديدًا للأمن والاستقرار في البلاد. وأشار إلى أن قرار مجلس النواب بإلغاء المجلس الرئاسي قد فتح الباب أمام ردود فعل مماثلة من الجهات الأخرى، مما يزيد من حالة الانقسام في ليبيا.
وفيما يتعلق بقرار المجلس الرئاسي بتغيير مجلس إدارة المصرف المركزي، أوضح السني أن هذا القرار جاء كرد فعل على اعتماد الميزانية الموحدة وتزوير العملات، مما زاد من تعقيد الأوضاع في البلاد. كما انتقد المجتمع الدولي لفشله في تطبيق الفصل السابع في ليبيا، معتبرًا أن أي إجراءات أحادية تشكل خطرًا على استقرار البلاد.
وأضاف السني: “قرار مجلس النواب بسحب الثقة من الرئاسي يزيد من تعميق الانقسامات وهناك إجراءات مضادة له بغض النظر عن أي تبريرات وأهداف هذا القرار”. وأكد على أن المشكلة في ليبيا ليست قانونية بل سياسية بحتة، وأن الشعب يرفض أي تدخل أجنبي في قراراته الخاصة. كما حذر السني من أن التحركات العسكرية الأخيرة التي خرجت عن اتفاق اللجنة العسكرية قد تؤدي إلى العودة للصراع المسلح في البلاد، مشيراً إلى أن إغلاق الحقول النفطية يمثل استغلالاً لقوت الليبيين في الصراعات السياسية.
وأكد السني أن “الشعب الليبي لن يقبل باستمرار انتهاك السيادة الليبية والتدخل الأجنبي”، مشيراً إلى أن المجتمع الدولي يجب أن يتخذ خطوات جادة لدعم الاستقرار في البلاد وإنهاء الصراعات.
التوترات الإقليمية والدولية:
تشير التطورات الأخيرة في ليبيا إلى تصاعد التوترات ليس فقط على المستوى الداخلي، ولكن أيضًا على المستوى الإقليمي والدولي. فقد أعرب مندوب روسيا عن ضرورة تغيير الوضع في ليبيا من خلال عملية سياسية جامعة بقيادة ليبية وبدعم من جميع الجهات الفاعلة في البلاد. كما دعا إلى وقف التدخلات الخارجية التي تعيق التوصل إلى حل سياسي شامل.
أما على المستوى الإقليمي، فقد حذرت الجزائر من أن التحركات العسكرية الأخيرة جنوب ليبيا قد تؤدي إلى تصعيد الوضع الأمني على حدودها، مما يزيد من احتمالات اندلاع صراع إقليمي. وفي هذا السياق، دعت الأمم المتحدة إلى ضرورة إنشاء آلية تنسيق محلية لتجنب أي تصعيد إضافي.
من جانبها، أكدت المجموعة الإفريقية في الأمم المتحدة، على ضرورة اتخاذ خطوات للوصول إلى حل سياسي في ليبيا بقيادة ليبية. وشددت على أهمية أن تعمل البعثة الأممية على تسيير حوار بين جميع الأطراف الليبية، داعية المجتمع الدولي للتركيز على جهود تنظيم الانتخابات كخطوة أولى نحو استقرار البلاد.
تعيش ليبيا اليوم في مرحلة حاسمة من تاريخها، حيث تواجه تحديات كبيرة تهدد استقرارها ووحدتها. ومع استمرار تصاعد التوترات العسكرية والسياسية في البلاد، يبدو أن الطريق إلى حل سياسي شامل لا يزال بعيد المنال.