الفوضى في ليبيا: صراع المصرف المركزي والمليشيات يهدد الاستقرار
في قلب الصراع المتواصل، يبرز المصرف المركزي كواحد من أكثر النقاط الشائكة التي تعكس مدى تعقيد الأزمة السياسية والاقتصادية في ليبيا. الصراع على السلطة والنفوذ بين الأطراف المختلفة لم يقتصر على المعارك المسلحة، بل امتد ليشمل المؤسسات الاقتصادية التي أصبحت ساحة أخرى لتصفية الحسابات.
الدغيلي: اجتماع لجنة 5+5 لن يأتي بجديد
في هذا السياق، تستبعد سلوى الدغيلي، عضو لجنة الحوار السياسي والمندوبة السابقة لليبيا لدى الأمم المتحدة في جنيف، أن يقدم اجتماع لجنة 5+5 أي جديد في ملف توحيد المؤسسة العسكرية. ترى الدغيلي أن ممثلي المنطقة الغربية في هذه اللجنة لا يملكون السيادة الكاملة على القرار، ولا يمثلون واجهة سياسية حقيقية تعبر عن تطلعات فئة معينة من الشعب الليبي.
تأتي هذه التصريحات في وقت تسيطر فيه المليشيات المسلحة على المشهد الأمني في العاصمة طرابلس، حيث تنتشر القوات المسلحة في كافة المناطق الحيوية، مما يجعل من الصعب التوصل إلى اتفاق موحد لتوحيد المؤسسة العسكرية. وتعتبر الدغيلي أن إنهاء سيطرة هذه المليشيات على طرابلس والمنطقة الغربية هو السبيل الوحيد لتوحيد المؤسسة العسكرية، وهو أمر يبدو بعيد المنال في ظل الظروف الحالية.
الشيباني: مفتاح المصرف المركزي في يد بريطانيا وأمريكا
من ناحية أخرى، يؤكد جاب الله الشيباني، عضو مجلس النواب، أن السيطرة الفعلية على المصرف المركزي الليبي ليست في أيدي الليبيين، بل في يد القوى الخارجية، مثل بريطانيا والولايات المتحدة. في منشور له على مواقع التواصل الاجتماعي، يشير الشيباني إلى أن عدم تولي محمد الشكري لمنصب محافظ المصرف بعد توافق مجلس النواب والدولة عام 2018، واستمرار الصديق الكبير في منصبه، يعود إلى توجيهات خارجية تهدف إلى إبقاء الوضع على ما هو عليه.
هذا الادعاء يثير العديد من التساؤلات حول مدى تأثير القوى الدولية في الشؤون الداخلية لليبيا، خاصة في ظل ما وصفه الشيباني بـ”الفوضى والاحتراب” التي تعيشها البلاد. ويعتقد الشيباني أن القوى الخارجية تستخدم ليبيا كساحة لتنفيذ أجنداتها الخاصة، مما يفاقم من حدة الأزمات السياسية والاقتصادية التي تعاني منها البلاد.
التكبالي: المليشيات لن تغادر طرابلس بسهولة
ويشارك علي التكبالي، عضو مجلس النواب، وجهة نظر مشابهة، حيث يرى أن المليشيات المسلحة لا تزال تحتفظ بنفوذ كبير في العاصمة طرابلس، وأن الحرب لا تزال تلوح بوجهها في المدينة. في تصريحات لوكالة “سبوتنيك”، يعتبر التكبالي أن المليشيات المختلفة تتبادل التهديدات والوعيد فيما بينها، مما يعكس حالة من التوتر المستمر الذي قد يتصاعد إلى مواجهات مسلحة في أي لحظة.
ويرى التكبالي أن الدبيبة يسعى إلى الحفاظ على سلطته من خلال حشد المليشيات المسلحة لدعمه، مؤكداً أن خروج هذه المليشيات من طرابلس لا يبدو وشيكاً. هذا التصريح يعكس مدى تعقيد المشهد السياسي والأمني في العاصمة، حيث تتحكم المصالح الشخصية والنفوذ العسكري في تحديد مسار الأحداث.
البكوش: أزمة المصرف المركزي تعكس انقساماً سياسياً حاداً
في خضم هذا الصراع، يرى صلاح البكوش، المستشار السابق بمجلس الدولة، أن أزمة المصرف المركزي تعكس انقساماً سياسياً حاداً بين الأطراف المختلفة في ليبيا. يشير البكوش إلى أن الوضع الحالي للمصرف المركزي هو نتيجة للسياسات النقدية التي تُدار عبر “كراسي موسيقية” لشخصيات مختلفة، مما أدى إلى غياب الاستقرار المالي في البلاد.
البكوش ينتقد أيضا غياب المهنية عن منصب محافظ المصرف المركزي، مشيراً إلى أن الصديق الكبير، المحافظ الحالي، أصبح “بضاعة فاسدة” لا يمكن أن يعول عليها في إدارة المؤسسة المالية الأهم في البلاد. ويرى البكوش أن هذا الوضع يعكس تفاقم الأزمات السياسية والاقتصادية في البلاد، ويزيد من صعوبة التوصل إلى حلول حقيقية للأزمة الليبية.
السكروفي: تأثير الأزمة على التجارة مع تونس
من جهة أخرى، يعرب عبد الحفيط السكروفي، رئيس المجلس الأعلى لرجال الأعمال التونسيين الليبيين، عن قلقه من استمرار أزمة المصرف المركزي وتأثيرها السلبي على المبادلات الاقتصادية بين تونس وليبيا. في تصريحات خاصة لـ”العربي الجديد”، يؤكد السكروفي أن الاعتمادات المستندية المفتوحة لدى البنوك لتسيير صفقات تجارية توقفت منذ بداية الأزمة، مما يعرقل جهود زيادة المعاملات الاقتصادية بين البلدين.
ويشير السكروفي إلى أن تحسين العلاقات التجارية بين تونس وليبيا يتطلب إزالة كافة العراقيل، بما في ذلك تلك المتعلقة بحركة الأموال بين البلدين. ويشدد على ضرورة رفع القيود المفروضة على حركة الأموال للأنشطة التجارية التي تتم عبر الحدود البرية، في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجهها المنطقة.
امطيريد: مخاطر الصراع في طرابلس ستكون وخيمة
من جانبه، يرى المحلل السياسي محمد امطيريد أن مخاطر الصراع في طرابلس ستكون وخيمة، خاصة أنها ستنعكس على المواطن الليبي بالدرجة الأولى من حيث التضخم وسوق الأموال والغذاء. في تصريح لموقع “إرم نيوز”، يحذر امطيريد من أن الصراع المتوقع في طرابلس سيؤدي إلى تعطيل فتح الاعتمادات أمام التجار ورجال الأعمال، مما سيؤثر سلباً على واردات المواد الأساسية التي يحتاجها المواطنون.
ويرى امطيريد أن ما يحدث في طرابلس الآن هو تفاقم لصراعات سابقة بين الأطراف المتنازعة على السلطة والمال، مشيراً إلى أن التحالفات الجديدة والاحتقان الأمني في العاصمة قد يؤدي إلى اندلاع صراع مسلح في أي وقت. ويعتقد أن التحشيد الحالي نتيجة لما يحدث في المصرف المركزي هو امتداد للانقسام السياسي، مما يعكس حالة من الفوضى وعدم الاستقرار التي تهدد مستقبل البلاد.
ليبيا في مفترق طرق
في ظل هذه التعقيدات، تجد ليبيا نفسها في مفترق طرق خطير. الأزمات السياسية والاقتصادية التي تعصف بالبلاد لا تهدد فقط الاستقرار الداخلي، بل تتعدى ذلك لتؤثر على مستقبل الشعب الليبي بأكمله. إن الحاجة إلى حلول سياسية جادة وشاملة أصبحت أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى، خاصة في ظل التدخلات الخارجية والصراعات الداخلية التي تعصف بالبلاد.