في ضوء التحولات السياسية المتسارعة في ليبيا، تتجه الأنظار مجددًا نحو مجلس الدولة ورئيسه خالد المشري، الذي خرج مؤخرًا بتصريحات صحفية رصدتها “أخبار ليبيا 24” سلط فيها الضوء على دور البعثة الأممية في جلسة انتخاب نائبي المجلس، مؤكداً أن حضور مراقب أممي يضيف بعداً جديداً للشرعية والإجراءات داخل المجلس. وفي نفس الوقت، لم يتوان رئيس مجلس الدولة، خالد المشري عن توجيه انتقادات لاذعة لبعض الشخصيات السياسية مثل محمد تكالة، متهمًا إياه بالعمل بلا منهجية واضحة وبتصرفات تفتقر إلى المسؤولية.
موقف أممي يعزز شرعية إجراءات مجلس الدولة وينقل صورة واضحة دولياً.
تتسم تصريحات المشري بنبرة حازمة ومباشرة، وهي تعكس في طياتها قلقًا عميقًا إزاء المشهد السياسي الراهن. “حضور مراقب من البعثة الأممية لجلسة انتخاب نائبي المجلس، يعكس موقفاً واضحاً من الأزمة الحالية”، قال المشري، مُظهِرًا أهمية الشفافية في هذه المرحلة الحساسة. فالمراقب الدولي لم يكن هناك فقط للتحقق من اكتمال النصاب القانوني، بل أيضًا للتأكد من سلامة إجراءات التصويت، وهي خطوة تُحسب لمجلس الدولة الذي يسعى جاهداً لتعزيز ثقة المجتمع الدولي في شرعيته.
ومع ذلك، لم يكن هذا الحضور خالياً من الجدل، فالدعوة التي وجهها المجلس للبعثة الأممية جاءت وسط تصاعد للحديث عن محاولات للتلاعب بالأصوات، مما يضع الشفافية في قلب المعركة السياسية. المشري كان واضحًا في تفسيره لهذه الخطوة، مؤكداً أن “الدعوة لحضور البعثة الأممية جاءت في إطار الحرص على الشفافية”. وتابع المشري موضحًا أن وجود المراقب الدولي ليس مجرد إجراء شكلي، بل هو محاولة جادة لنقل صورة دقيقة للمجتمع الدولي عن مسار العملية السياسية في ليبيا.
المشري يوضح أهمية حضور البعثة الأممية للتحقق من الشفافية القانونية.
لكن المشري لم يكتفِ بتسليط الضوء على الجوانب الإيجابية، بل أبدى استياءه من تصريحات محمد تكالة، الذي وصفه بأنه “ليس فاعل سياسي”، بل “شخص تابع”، مشيرًا إلى أن أفعاله مجرد ردود أفعال لأطراف أخرى. هذه الانتقادات اللاذعة لم تأت من فراغ، فتكالة، بحسب المشري، “يعارض لغرض المعارضة فقط”، وأن تصرفاته تنم عن صدمة لم يفق منها بعد نتيجة التصويت الأخير. من الواضح أن المشري يعتبر أن دور تكالة وأمثاله في السياسة الليبية هو دور معرقل، بلا هدف واضح أو رؤية مستقبلية.
ويستطرد المشري في انتقاداته، قائلاً إن “الحديث بأنني تابع لمجلس النواب وأؤيد كل ما يقوله عقيلة صالح قول مضحك”. هنا، يسعى المشري لتأكيد استقلالية موقفه وشخصيته السياسية، مُشددًا على أن “مجلس النواب شريك، لا هو تابع لنا ولا نحن تابعين لهم”. ويبدو أن المشري يحاول من خلال هذه التصريحات أن يؤكد على مبدأ الشراكة السياسية، وأنه لا مكان للتبعية أو السيطرة في المشهد السياسي الليبي، وأن مواقفه ضد مجلس النواب كانت دائمًا واضحة وصارمة.
تصريحات المشري تنتقد تكالة وتصفه بالمعارض بلا سبب مشروع.
وفيما يتعلق بمسار الشراكة مع مجلس النواب، أضاف المشري أن “لا نعمل مع مجلس النواب على حالة مغالبة، نحن شركاء لا هم يتبعونا، ولا نحن نتبعهم”. هذه الكلمات تعكس بشكل جلي نهج المشري الذي يسعى لتعزيز مفهوم الشراكة والتعاون بين مختلف الأطراف السياسية، بعيدًا عن منطق المغالبة والاستقطاب. فالمشاحنات وسوء النية التي ربما شابت العلاقة بين المجلسين في الماضي، يبدو أنها بدأت تتلاشى تدريجيًا، لتحل محلها درجة من الثقة ونوع من القبول المتبادل، وهو ما أدى إلى التوصل إلى التعديل الدستوري الـ13، وقوانين لجنة “6+6”.
مجلس النواب ليس تابعًا لمجلس الدولة، والشراكة هي الأساس.
وفي إشارة إلى أهمية التوافق في بناء الدول، قال المشري: “المعادلة الصفرية لا تبني الدول، لا يمكن أن تقول إنني أريد أن أتحصل على 100% أو لا شيء”. هنا، يوجه المشري رسالة قوية لجميع الأطراف السياسية بأن الأوطان تُبنى على حالات من التوافق والإجماع، وليس على مبدأ المغالبة أو السيطرة الكاملة. وفي سياق متصل، أشار المشري إلى أن “لم أدع لجلسة استكمال انتخابات مكتب الرئاسة، بل تم عقدها بناء على طلب تقدم به أكثر من 50 عضوًا بالمجلس”، مُضيفًا أن “رؤساء اللجان دعوا أيضًا لعقد الجلسة، لأن مكتب الرئاسة كان منتهي الصلاحية”.
ختامًا، يبدو أن المشري يحاول من خلال هذه التصريحات أن يرسم صورة واضحة لمواقفه السياسية، وأن يقدم نفسه كـ سياسي قادر على قيادة المجلس في هذه المرحلة الحرجة. وبينما يتجه المشهد السياسي الليبي نحو مزيد من التعقيد، يبقى السؤال: هل ستنجح هذه التحركات في تحقيق الاستقرار السياسي المنشود؟ وما هو دور المجتمع الدولي في دعم هذه الجهود؟ في نهاية المطاف، تبقى الإجابة مرهونة بتطورات الأيام القادمة.