في تقرير أحدث ضجة واسعة في الأوساط الصحية، كشف المعهد القومي لعلاج الأورام بمدينة مصراتة عن استيراد أدوية مشبوهة وغير معروفة المصدر، ما أثار المخاوف بين مرضى السرطان وعائلاتهم. هذه الأدوية، التي أكد التقرير أنها غير صالحة للاستخدام، تسببت في مضاعفات صحية خطيرة، دفعت المرضى وأطباءهم للمطالبة بتحقيق شامل في ملابسات استيراد هذه العقاقير الغامضة.
وفي ظل هذه المعطيات، أعلنت لجنة الصحة والبيئة بمجلس النواب، برئاسة الدكتور نصر الدين مهني، أنها ستفتح تحقيقًا عاجلًا للوقوف على تفاصيل استيراد هذه الأدوية التي تم توريدها عن طريق مكتب صحي في إسطنبول. وقد استندت اللجنة في تحركاتها إلى التقرير المسرب، الذي يكشف تفاصيل مقلقة عن الأدوية المستخدمة في علاج الأورام، والتي يشتبه في أنها غير مرخصة أو معتمدة من الجهات الرقابية المعنية.
وأكد الدكتور مهني في تصريحات لوسائل الإعلام، أن اللجنة ستعمل على التحقق من مصدر هذه الأدوية ومن الجهات التي أذنت بتداولها في المؤسسات الصحية. كما أشار إلى أن اللجنة ستعتمد في تحقيقاتها على تقارير أخرى من مختلف الجهات الصحية في البلاد، للوصول إلى المسؤولين عن هذا الخرق الخطير.
وفي خطوة غير مسبوقة، حصلت وسائل الإعلام على تقرير اللجنة العلمية بمعهد الأورام بمصراتة، والذي كشف عن رفض قاطع للأدوية التي تم استيرادها. ووفقًا للتقرير، فإن هذه الأدوية تسببت في حساسية شديدة لدى المرضى، وتفاقمت لديهم أعراض المرض بشكل ملحوظ. هذا ما جعل اللجنة توصي بعدم استخدامها بأي شكل من الأشكال حتى يتم التأكد من سلامتها.
وأكد التقرير أن الأدوية التي تم استيرادها جاءت من شركات غير معروفة، بعضها من الهند وقبرص وتركيا، وهو ما يثير تساؤلات حول معايير الاختيار وطرق التوريد. كما أشار إلى ضرورة التعامل فقط مع شركات الأدوية الكبرى ذات السمعة العلمية المرموقة، لضمان الحصول على نتائج علاجية فعالة وآمنة.
في ظل تصاعد الأزمة، أصدرت وزارة الصحة بحكومة الوحدة الوطنية بيانًا أكدت فيه أنها ليست مسؤولة عن استيراد هذه الأدوية، وأن الشركات التي أشير إليها في التقرير لم تقم بتوريد الأدوية إلى القطاع الخاص في ليبيا. كما أعربت الوزارة عن استغرابها من عدم اتباع اللجنة العلمية للطرق العلمية والإدارية المتبعة في التعامل مع مثل هذه الحالات، مشيرة إلى ضرورة الإبلاغ عن الأدوية المشبوهة من خلال النماذج المخصصة لهذا الغرض في المؤسسات الصحية.
ومع ذلك، يبقى التساؤل الأهم: كيف دخلت هذه الأدوية إلى ليبيا؟ ومن هي الجهة التي أذنت بتداولها بين المرضى؟ في ظل غياب الرقابة الصارمة على المنافذ الحدودية وانتشار تجارة الشنطة والتهريب، لا يزال الغموض يكتنف مصدر هذه الأدوية وكيفية دخولها إلى المستشفيات الليبية.
من بين أهم المخاوف التي أثيرت في التقرير، تلك المتعلقة بالمضاعفات الصحية التي عانى منها مرضى السرطان بعد تناولهم لهذه الأدوية. فالمرضى الذين كانوا يأملون في الشفاء، وجدوا أنفسهم يعانون من أعراض جانبية خطيرة تفاقمت لتؤثر على حالتهم الصحية بشكل كارثي. هذا الأمر يعيد إلى الأذهان مشكلات سابقة واجهتها ليبيا في مجال استيراد الأدوية، حيث كانت الأدوية المغشوشة والمهربة أحد أبرز التحديات التي هددت صحة المواطنين.
في ضوء هذه التطورات، أعلنت وزارة الصحة بحكومة الدبيبة منتهية الولاية أنها بصدد تشكيل لجنة تقصي متعددة التخصصات برئاسة وكيل وزارة الصحة لشؤون المستشفيات. وستكون هذه اللجنة مسؤولة عن تتبع مصدر الأدوية المشبوهة، وتحليلها من جديد، بالإضافة إلى دراسة الأعراض التي ظهرت على المرضى. ويهدف هذا التحقيق إلى وضع حد للغموض الذي يكتنف هذه الأزمة وتقديم إجابات واضحة للرأي العام.
كما أكدت الوزارة أن التحقيقات ستشمل حصر الأدوية المستخدمة، والتأكد من سلامة عملية توريدها، وصولًا إلى تقديم تقرير دقيق وشامل يحمي حقوق المرضى ويضمن محاسبة المسؤولين عن هذه الكارثة الصحية.
الأزمة الحالية تعكس بشكل صارخ غياب الرقابة الفعالة على قطاع الدواء في ليبيا، وهو ما يزيد من احتمالية وقوع مثل هذه الحوادث في المستقبل. فالحرب الطويلة التي عاشتها ليبيا تركت مؤسساتها الصحية تعاني من الفوضى، في ظل انتشار الفساد وغياب المساءلة. وفي غياب الرقابة على استيراد الأدوية وفحصها بشكل دقيق، تبقى صحة المواطن الليبي مهددة بشكل دائم.
ومع ذلك، يبقى السؤال الأبرز: هل ستتمكن السلطات الصحية في ليبيا من تجاوز هذه الأزمة وتحسين نظام الرقابة على الأدوية، أم أن هذه الحادثة ستكون مجرد بداية لسلسلة من الفضائح الصحية التي قد تؤثر على حياة آلاف المرضى؟
إن هذه الحادثة تضع القطاع الصحي الليبي أمام اختبار حقيقي. ففي الوقت الذي يواجه فيه المرضى مخاطر صحية غير متوقعة، تتجه الأنظار نحو الجهات المسؤولة عن هذا القطاع لمحاسبة المسؤولين ومنع تكرار هذه الكوارث في المستقبل.
تسلط هذه القضية الضوء على أهمية تعزيز آليات الرقابة والتفتيش في جميع المنافذ الصحية بالبلاد. كما تشير إلى الحاجة الماسة لتطوير التعاون مع المنظمات الدولية في مجال مراقبة الأدوية، وتطبيق المعايير العلمية الصارمة لضمان صحة وسلامة المواطنين.
في نهاية المطاف، فإن محاسبة المسؤولين عن هذه الفضيحة الصحية يجب أن تكون الأولوية القصوى، لضمان أن مثل هذه الكوارث لن تتكرر مستقبلًا. فحياة المرضى على المحك، والمسؤولية تقع على عاتق الجميع، من الحكومة إلى الأطباء والشركات المصنعة.