لطالما كانت مسألة السيطرة على المصرف المركزي في ليبيا محورية في تحديد ملامح السياسة الليبية والانقسام الجيوسياسي. وفي ظل التصريحات الأخيرة لرئيس لجنة الطاقة، بمجلس النواب، عيسى العريبي يطفو على السطح سؤال أكثر تعقيدًا حول مسألة توحيد المصرف المركزي بين بنغازي وطرابلس. حيث أعلن العريبي عن نية تفعيل المصرف المركزي في بنغازي، في حين يستمر عمل المصرف الآخر في طرابلس، مما يعزز التوترات بين الشرق والغرب الليبي.
وأكد العريبي في مداخلة تلفزيونية تابعتها “أخبار ليبيا 24″، أن المصرف المركزي في بنغازي سيشهد تفعيلًا قريبًا، ولكن دون توحيد مع المصرف القائم في طرابلس. هذا التصريح يأتي في ظل تعقيدات المشاورات السياسية الجارية والتي، وفق العريبي، لم تؤدِ إلى أي حلول ملموسة. “لم يعد هناك حديث عن مصرف موحد”، قال العريبي، معبرًا عن تشاؤمه إزاء مستقبل هذه المشاورات التي، حسب تقديره، لن تصل إلى نتائج تذكر.
المسألة الأكثر تعقيدًا في هذا السياق هي كيفية توزيع إيرادات النفط، التي تمثل عصب الاقتصاد الليبي. العريبي أوضح أن إيرادات النفط سيتم توزيعها بين الحكومتين المتنافستين، الحكومة الليبية برئاسة أسامة حماد في الشرق، وحكومة الدبيبة منتهية الولاية في الغرب. هذه الخطوة، حسب قوله، تعتبر “أكثر خطوة قسّمت ليبيا إلى نصفين”. فعلى الرغم من أن النفط يُستخرج من جميع أنحاء البلاد، إلا أن التحكم في إيراداته يظل محل نزاع سياسي شديد.
إن توزيع الإيرادات بهذه الطريقة قد يزيد من تعقيد الأزمة السياسية في ليبيا، حيث أن كل حكومة تحاول تعزيز موقفها المالي والاقتصادي على حساب الأخرى. هذا الأمر قد يؤدي إلى تفاقم التوترات بين الشرق والغرب الليبي، ويزيد من احتماليات التصعيد السياسي.
من ناحية أخرى، يبدو أن المجلس الأعلى للدولة، الذي كان من المفترض أن يلعب دورًا محوريًا في إيجاد حل للأزمة، قد فقد الكثير من نفوذه. وفقًا للعريبي، فإن المجلس لا يملك “أي شيء”، وجزء كبير من أعضائه محسوبون على حكومة الدبيبة. هذا الوضع يعكس ضعف المؤسسات السياسية في ليبيا وعدم قدرتها على تقديم حلول جذرية للأزمة.
يرى مراقبون أن هذا الضعف قد يكون نتيجة للتدخلات الدولية والانقسامات الداخلية التي أثرت على قدرة المجلس على القيام بدوره كوسيط سياسي. فبدلاً من البحث عن حلول توافقية، يبدو أن المجلس الأعلى للدولة أصبح جزءًا من اللعبة السياسية.
المشاورات التي كانت تهدف في الأصل إلى توحيد المصرف المركزي وإنهاء الانقسام المالي في البلاد، يبدو أنها وصلت إلى طريق مسدود. العريبي أشار إلى أن المشاورات الجارية بين الأطراف السياسية لن تؤدي إلى أي حلول فعلية، مما يعزز المخاوف من أن ليبيا قد تدخل في مرحلة جديدة من التقسيم المالي، وهو ما قد يزيد من التوترات السياسية.
الوضع المالي المعقد في ليبيا ليس فقط نتيجة للصراع الداخلي، بل يتأثر أيضًا بالتدخلات الخارجية التي تسعى كل منها لتحقيق مصالحها في البلاد. من خلال السيطرة على المصرف المركزي، تأمل كل حكومة في تعزيز موقفها السياسي والاقتصادي، ولكن هذا الصراع قد يؤدي في النهاية إلى تفاقم الأزمة الليبية.
في ظل هذه التطورات، يبدو أن الخطوة المتعلقة بتفعيل المصرف المركزي في بنغازي ستعزز من الانقسام السياسي في ليبيا بدلاً من توحيده. وبينما تستمر المشاورات دون أفق واضح للحل، تظل قضية إيرادات النفط والتوزيع المالي بين حكومتي الشرق والغرب محل نزاع شديد، قد يطول لفترة غير معلومة.
المشهد السياسي في ليبيا، رغم تعقيده، يكشف عن حقيقة واحدة مؤكدة: المصرف المركزي بات ساحة جديدة للصراع، وفي ظل غياب توافق سياسي، قد يكون مصير هذا الصراع هو المزيد من الانقسام والاضطراب.