على مدار الأسابيع الماضية، شهدت ليبيا تصاعدًا في حدة الأزمة الاقتصادية والسياسية، لا سيما في ظل الانقسام المستمر بين الأطراف المتصارعة على إدارة مصرف ليبيا المركزي. وفي هذا السياق، أطلق عضو مجلس الدولة، سعد بن شرادة، تحذيرات صريحة حول الوضع الراهن، معتبرًا أن هذه الأزمة لم تعد مجرد صراع سياسي، بل أصبحت أزمة تمس حياة المواطن الليبي بشكل مباشر، في ظل الانخفاض الحاد في قيمة الدينار الليبي مقابل الدولار الأميركي، والذي بلغ 4.74 في السوق الرسمية، بينما تجاوز في السوق الموازية حاجز الـ7.66 دينار للدولار الواحد.
لم يكن ارتفاع سعر الدولار في السوق الموازية مجرد رقم عابر. وفقًا لتصريحات بن شرادة، فإن التصاعد السريع لسعر الدولار الذي وصل الأسبوع الماضي إلى قرابة 8 دنانير يمثل “نقطة تحول حاسمة” في الأزمة المالية، خاصة مع تراجع ثقة المواطنين في قدرة المؤسسات الحكومية على التحكم في الوضع المالي. ومع استمرار الارتفاع، يخشى المواطن الليبي من تضخم الأسعار بشكل مفرط، في حين أن هذا الوضع سيزيد من تعقيد الحياة اليومية، حيث ترتبط معظم السلع الأساسية، وخاصة المواد الغذائية والأدوية، بأسعار السوق العالمية بالدولار.
ويرى بن شرادة تصريحات صحفية رصدتها “أخبار ليبيا 24”، أن السوق السوداء تلعب دورًا خطيرًا في استغلال الأزمة الاقتصادية. وبغياب الرقابة الحكومية الفعّالة، أصبحت السوق السوداء “مافيا متحكمة” في توزيع السلع وزيادة الأسعار. ويشير إلى أن هذه الأزمة لم تترك لتجار السوق السوداء فرصة للمرور دون أن يستغلوها، حيث بدأوا بتخزين السلع الأساسية ورفع أسعارها بشكل غير معقول، ما يعمق من الأزمة ويزيد من معاناة المواطن الليبي.
الارتفاع المستمر في الأسعار لم يكن المفاجأة الوحيدة. توقف المؤسسات المالية الدولية عن التعامل مع مصرف ليبيا المركزي أدى إلى أزمة أخرى تتعلق بنفاد المخزون السلعي الضروري. وتخوف بن شرادة من أن تكون الأزمة الحالية هي البداية لأزمة أكبر، حيث يهدد الانقسام السياسي في البلاد بالشلل الكامل لعمليات الاستيراد.
في الوقت الذي تسعى فيه الحكومة إلى تقديم بعض الحلول لضبط الأسعار، يرى بن شرادة أن هذه الحلول لن تكون فعّالة في ظل “ضعف آليات الرقابة” والانقسام المؤسسي والحكومي الحالي. واعتبر أن الجهات المعنية، سواء في حكومة الوحدة الوطنية أو حكومة الشرق، لا تملك الأدوات الكافية لمواجهة هذه الأزمة، مما يجعل الوضع مرشحًا لمزيد من التصعيد.
إن عجز الحكومة عن ضبط السوق واحتواء أزمة المصرف المركزي لم يعد يقتصر فقط على القطاع الاقتصادي، بل أصبح يمس بشكل مباشر الاستقرار السياسي، مما يفتح المجال أمام التدخلات الخارجية، سواء عبر وصاية دولية على عائدات النفط أو حلول أخرى قد تُفرض من المجتمع الدولي.
وفي ظل هذه التعقيدات، أشار بن شرادة إلى أن أخطر ما يمكن أن تواجهه ليبيا في هذا الوضع هو فرض “وصاية دولية” على عائدات النفط، حيث تتزايد المؤشرات على إمكانية تشكيل لجنة مالية دولية تدير تلك العائدات. وربما يقود ذلك إلى تطبيق نموذج “النفط مقابل الغذاء” الذي تم اعتماده في العراق سابقًا. هذا السيناريو، إن تحقق، سيكون بمثابة “إعلان فشل” لكافة الأطراف الليبية في إدارة الأزمة.
بن شرادة يعتقد أن الأزمة الاقتصادية لا يمكن فصلها عن الأزمة السياسية الراهنة. فعدم قدرة الأطراف الليبية على التوصل إلى توافق حول إدارة المصرف المركزي يعكس بوضوح الفشل المستمر في إدارة الدولة. وقد أصبح المواطن الليبي اليوم أكثر وعيًا بأن هذه الأزمات، في جوهرها، تعكس الصراعات السياسية التي تتجاوز المصالح الوطنية لصالح المصالح الشخصية والسياسية.
مع مرور الوقت وتفاقم الأزمة الاقتصادية في ليبيا، تتزايد المخاوف حول مستقبل البلاد. بن شرادة، وغيره من الشخصيات السياسية، يرون أن الحل الوحيد للخروج من هذه الأزمة يكمن في الوصول إلى “توافق سياسي” شامل يضمن استقرار المؤسسات الاقتصادية. بدون هذا التوافق، سيظل الدينار الليبي تحت وطأة المضاربات المالية في السوق الموازية، وسيظل المواطن الليبي يعاني من ارتفاع الأسعار وفقدان الأمل في استقرار قريب.
إن هذه الأزمة، بما تحمله من تعقيدات اقتصادية وسياسية، تشكل تحديًا حقيقيًا أمام المجتمع الليبي. فالمواطن الليبي لم يعد يواجه فقط خطر الفقر والبطالة، بل أصبح يواجه خطر فقدان سيادته الاقتصادية لصالح التدخلات الدولية، مما يضع ليبيا على مفترق طرق حاسم لمستقبلها.