في خضم الأزمة الإنسانية التي تتفاقم بشكل يومي في ليبيا، يستمر مرضى ضمور العضلات في مواجهة تدهور مقلق في وضعهم الصحي. محمد أبوغميقة، رئيس منظمة رابطة ضمور العضلات، عبّر في تصريحاته الأخيرة عن استيائه البالغ تجاه تعامل الحكومة منتهية الولاية برئاسة عبد الحميد الدبيبة مع ملف المرضى. حيث لم تُنفذ أي من الوعود التي قُدمت لهم، سواء من قبل الحكومة أو وزارة الصحة أو حتى جهاز الخدمات العلاجية.
خلال عام 2023، ارتفعت معدلات الوفيات بين مرضى ضمور العضلات، حيث أبلغ أبوغميقة عن 9 حالات وفاة، 6 منها كانت لأطفال لم يتجاوزوا العامين من العمر. هؤلاء الأطفال هم الأكثر عرضة لتدهور الحالة الصحية نظرًا لتوقف الحقن الجينية الضرورية لعلاجهم منذ شهر مايو 2023.
الحقن الجينية للأطفال تحت سن العامين كانت تعد الأمل الأخير لتخفيف معاناتهم من مضاعفات هذا المرض المميت. ولكن منذ مايو الماضي، لم يتم توفير هذه الجرعات الحيوية، مما دفع بعض العائلات إلى تسفير أطفالها إلى مصر في محاولة يائسة للحصول على العلاج هناك. ورغم سفرهم، لا تزال العديد من الحالات في انتظار تلقي العلاج المطلوب.
ولم يقتصر الأمر على الأطفال فقط؛ إذ أن الجرعات اللازمة لعلاج المرضى الكبار لم تُورّد إلى ليبيا منذ عام 2023. رغم المناشدات المستمرة من المرضى وأسرهم، إلا أن عدم توفر الأدوية أدى إلى تدهور حالة العديد من المرضى الذين كانوا يعتمدون عليها لمقاومة آثار المرض.
في جانب آخر من الأزمة، توقفت التحاليل الجينية الضرورية لتشخيص المرضى منذ بداية شهر أبريل 2024. تذرعت الجهات الحكومية بعدم توفر الميزانية اللازمة لتلك التحاليل، وهو ما يعد انعكاسًا للأزمة الاقتصادية التي تعاني منها ليبيا، ولكن السؤال الذي يطرحه أبوغميقة: “أين وعود الحكومة التي التزمت بتوفير الأموال اللازمة لهذه التحاليل؟”.
في شهر يوليو الماضي، تم عقد اجتماع بين عبد الحميد الدبيبة ووزير الصحة وجهاز الخدمات العلاجية بالإضافة إلى ممثلين عن مصرف ليبيا المركزي والإمداد الطبي. تم خلال الاجتماع الاتفاق على تحويل الأموال المطلوبة وفتح التحاليل الجينية بشكل عاجل، إلى جانب تسفير الحالات الحرجة التي تحتاج للعلاج في الخارج. إلا أنه وبعد مرور عدة أشهر، لم يتم تنفيذ أي من تلك الوعود، وهو ما دفع المرضى وأسرهم إلى الدخول في حالة من الإحباط واليأس.
لا تتوقف معاناة مرضى ضمور العضلات عند حدود العلاج المتعثر؛ فهؤلاء المرضى يحتاجون إلى رعاية خاصة في حياتهم اليومية، خاصة داخل المؤسسات التعليمية التي تفتقر إلى التجهيزات الملائمة لاستقبالهم. ويضيف أبوغميقة: “المرضى يعانون من مضاعفات مستمرة تحتاج إلى متابعة علاجية خاصة، لكن للأسف لا توجد فرق متخصصة لتقديم هذه الرعاية”.
إضافة إلى ذلك، تعاني العديد من العائلات، خاصة في المناطق الجنوبية من ليبيا، من غياب أي دعم مالي تضامني للمرضى. وهناك أسر تعيش حالة مأساوية حيث يوجد في بعضها 5 أو 7 حالات مصابة بالضمور العضلي. هذا الوضع المتردي يزيد من الفقر والعوز ويثقل كاهل العائلات التي تحتاج إلى كل دعم ممكن من الدولة، ولكن حتى الآن لم يُصرف لهم أي مرتبات تضامنية.
في ضوء هذه الأوضاع الكارثية، يطالب محمد أبوغميقة الجهات المختصة بتوفير الأدوية الحديثة لعلاج الضمور العضلي والعمل على صرف الميزانيات المطلوبة بشكل عاجل. كما يدعو إلى تفعيل دور المؤسسات المعنية بالرعاية الصحية لتقديم الدعم اللازم للمرضى وضمان حصولهم على الحقن الجينية في وقتها.
إن أزمة مرضى ضمور العضلات في ليبيا ليست مجرد أزمة صحية؛ بل هي انعكاس للوضع السياسي والاقتصادي المتأزم في البلاد. على الحكومة أن تدرك أن تجاهل هذه الأزمة لن يؤدي إلا إلى مزيد من المعاناة الإنسانية ومزيد من الوفيات، خاصة بين الأطفال الذين يمثلون الفئة الأكثر ضعفًا.
لقد أصبحت المطالبات بالتحرك الفوري أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى، فالوقت لم يعد في صالح هؤلاء المرضى الذين يعانون في صمت، منتظرين أن تفي الحكومة بوعودها التي طال انتظار تنفيذها.