التكبالي يحذّر: السوق الموازية في ليبيا تُهدد الاقتصاد وتعمِّق أزمة المواطنين
أزمة المصرف المركزي وانعكاسها على السيولة ومستقبل الاقتصاد الليبي
يشهد الاقتصاد الليبي مرحلة من التخبط غير المسبوق، نتيجةً لتراكم الأزمات السياسية والانقسامات الداخلية التي أدّت إلى تفاقم أزمة مصرف ليبيا المركزي. تأتي تصريحات عضو مجلس النواب، علي التكبالي، لتسلّط الضوء على هذا الواقع المرير، حيث أشار إلى أن السوق الموازية في ليبيا لم تشهد هذا التوسُّع إلا بعد 2011، حين تصاعد نفوذ التشكيلات المسلحة التي تغلغلت في كل مفاصل الدولة.
أزمة السيولة والاعتمادات الوهمية
التكبالي يُشير في تصريحات صحفية رصدتها “أخبار ليبيا 24” إلى أن أزمة السيولة المستمرة في ليبيا ليست وليدة اليوم، ولكنها تعمَّقت بسبب تعطيل عمل المصرف المركزي، إلى جانب إيقاف بنوك خارجية التعامل مع المصرف. هذه الأزمات فتحت الباب أمام السوق الموازية للتحكّم الكامل في الاقتصاد الليبي، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق، وهو ما يشعر به المواطن الليبي في حياته اليومية.
الاعتمادات الوهمية تُعتبر واحدة من الأدوات التي استغلها أمراء الحرب في البلاد. “حصل البعض على العملة الأجنبية بذريعة استيراد الأدوية والمواد الغذائية، ولكن لم يتم استيراد أي شيء”، يقول التكبالي. بدلاً من ذلك، تم تحويل هذه العملة إلى السوق الموازية، حيث تُباع بأسعار مضاعفة، ما أدى إلى المزيد من التضخم وضغط أكبر على الاقتصاد الوطني.
السوق الموازية: لاعب رئيسي في الاقتصاد الليبي
في ظل تراجع دور الدولة وتجميد حركة الاقتصاد الرسمي، أصبحت السوق الموازية هي من تُحدد اتجاهات الاقتصاد الليبي، وخاصةً فيما يتعلق بتحديد أسعار العملة الأجنبية. التكبالي يشير إلى أن “السوق الموازية لم تصبح القوة المحركة للاقتصاد إلا مع ضعف الدولة وسيطرة التشكيلات المسلحة”. وبدلاً من أن يكون المصرف المركزي الجهة التي تفتح الاعتمادات وتضخ العملة الأجنبية، أصبحت السوق الموازية هي الملاذ الأخير للتجار والمستوردين.
“أباطرة السوق الموازية معروفون للجميع في الشارع الليبي”، يقول التكبالي، مضيفاً أن هؤلاء الأفراد يتحكمون بالعملة الأجنبية بشكل كامل، ويقومون بتحديد الأسعار على هواهم. ومع توقف المصرف المركزي عن فتح الاعتمادات وتوفير السيولة بالعملة الأجنبية، لجأ الجميع إلى السوق الموازية للحصول على الدولار، ما أدى إلى ارتفاع تكلفة الاستيراد، ومن ثم ارتفاع أسعار السلع الأساسية.
دور التشكيلات المسلحة في تغذية الفساد الاقتصادي
يربط التكبالي بين انتشار السوق الموازية وتنامي نفوذ التشكيلات المسلحة بعد 2011. “مع بروز قوة هذه التشكيلات، وخصوصاً بعد الانقسام في 2014، بدأت السوق الموازية تتسع بشكل غير مسبوق”. يرى التكبالي أن ضعف الرقابة وفساد المؤسسات المالية ساعد أمراء الحرب على التسلل إلى النظام الاقتصادي الرسمي واستغلاله لمصالحهم الشخصية.
في ظل هذا الوضع، يشير التكبالي إلى أن الأمراء وأتباعهم استخدموا الاعتمادات الوهمية لنهب العملة الأجنبية، وبدلاً من استخدامها في استيراد السلع الأساسية مثل الغذاء والدواء، قاموا ببيعها في السوق الموازية بأضعاف سعرها، ما عمّق الأزمة الاقتصادية وزاد من معاناة المواطنين.
ليبيا تعتمد على الاستيراد والمواطنون هم الضحايا
ليبيا تعتمد على استيراد أكثر من 80٪ من احتياجاتها الأساسية، وخصوصاً المواد الغذائية والدواء، ما يجعلها في موقف هشّ أمام التقلبات الاقتصادية. التكبالي يشير إلى أن توقف المصرف المركزي عن توفير السيولة أدى إلى أن “السوق الموازية باتت تتحكم بشكل كامل في أسعار العملة الأجنبية، ومع كل ارتفاع في سعر الدولار، ترتفع تكلفة استيراد السلع الأساسية”.
الفساد والاقتصاد الليبي: علاقة معقدة
يوضح التكبالي أن الوضع الاقتصادي في ليبيا لا يمكن فصله عن الفساد المتجذّر في البلاد. “تقارير محلية ودولية أظهرت بوضوح وجود سوء توظيف في فتح الاعتمادات، حيث تُستخدم العملات الأجنبية لغير ما هو مخصص لها”. يستمر التكبالي في نقده لآلية توزيع الاعتمادات على التجار، مشيراً إلى أن جزءاً كبيراً من هذه الاعتمادات يذهب إلى جيوب الفاسدين وأمراء الحرب، ما يزيد من تعقيد الأزمة الاقتصادية.
ماذا ينتظر ليبيا في المستقبل؟
مع استمرار الانقسامات السياسية، وعدم وجود آفاق واضحة لحل الأزمة الاقتصادية، يبدو أن السوق الموازية ستظل تُشكل جزءاً لا يتجزأ من حياة الليبيين في المستقبل المنظور. التكبالي يختتم تصريحاته بالتأكيد على ضرورة استعادة دور المصرف المركزي وإعادة تنظيم السوق الاقتصادية بشكل كامل، مؤكداً أن “ليبيا تحتاج إلى إصلاحات جذرية لإنقاذ اقتصادها من قبضة أمراء الحرب والسوق الموازية”.