في خطوة حيوية نحو التصدي لتدفقات الهجرة غير الشرعية المتزايدة، عُقد اجتماع وزاري في ديوان وزارة الدولة لشؤون الهجرة غير الشرعية بمدينة بنغازي يوم الأحد، حيث جمع تحت سقفه عددًا من الوزراء وكبار المسؤولين لمناقشة استراتيجية متكاملة تهدف إلى إدارة هذا الملف الشائك. كان من بين الحضور وزير الدولة لشؤون الهجرة غير الشرعية فتحي التباوي، إلى جانب وزراء الداخلية، التعليم العالي، التعليم التقني، الصحة، والحكم المحلي، بالإضافة إلى مسؤولين أمنيين بارزين.
تأتي هذه المبادرة الوزارية في وقت حساس تمر به ليبيا، حيث تزايدت تدفقات المهاجرين نتيجة الأوضاع غير المستقرة في دول الجوار مثل السودان والنيجر، مما يجعل البلاد نقطة عبور رئيسية للمهاجرين المتجهين نحو أوروبا. وتم خلال الاجتماع التأكيد على ضرورة صياغة استراتيجية شاملة لإدارة ملف الهجرة غير النظامية بالتعاون مع كافة الوزارات والجهات المعنية.
ركز الاجتماع الوزاري على أهمية تعزيز التعاون بين مختلف الوزارات لضمان تطبيق سياسات فعالة تهدف إلى الحد من تدفقات الهجرة غير الشرعية. وتطرق الوزراء إلى التحديات التي تواجهها ليبيا، خاصة وأنها تُعد معبرًا أساسيًا للمهاجرين غير النظاميين نحو القارة الأوروبية.
وزير الداخلية شدد على ضرورة تحسين سياسات حماية الحدود الليبية وتطوير البنية التحتية الأمنية، مؤكداً على أهمية بناء قدرات الأجهزة الأمنية وتزويدها بالتكنولوجيا اللازمة لضبط الحدود. كما أشار إلى ضرورة معاملة المهاجرين بإنسانية بما يتماشى مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، مشيرًا إلى أن هذه السياسات لا بد أن تكون جزءًا لا يتجزأ من خطة وطنية شاملة.
في تصريح هام بعد الاجتماع، أكد وزير الدولة لشؤون الهجرة غير الشرعية فتحي التباوي أن ملف النازحين من السودان كان أحد أبرز القضايا التي تم تناولها. وذكر أن “الأعداد الكبيرة من النازحين السودانيين، وخاصة الأسر التي تضم أطفالًا وكبار السن، تشكل تحديًا كبيرًا للحكومة الليبية”، لافتًا إلى أن الحكومة شكّلت لجنة خاصة للتعامل مع هذا الملف المعقد.
وأوضح التباوي أن الاجتماع ناقش الحلول الممكنة لتوفير الرعاية الصحية والتعليم للأطفال النازحين، وتم التطرق أيضًا إلى سبل التعاون مع المنظمات الدولية الناشطة في مجال الهجرة، والتأكد من قانونية عملها وخططها المستقبلية.
تطرق الاجتماع أيضًا إلى التهديدات التي تلوح في الأفق بسبب الأوضاع السياسية في دول الجوار، حيث أشار خبراء إلى أن إلغاء المجلس العسكري في النيجر لقانون تجريم الهجرة غير الشرعية قد يؤدي إلى تدفق أعداد أكبر من المهاجرين عبر الحدود الليبية. وبهذا الصدد، حث الوزراء على ضرورة الاستعداد لتعزيز الأمن على الحدود وتطوير سياسات حماية قوية.
كما ناقش الاجتماع التعاون مع المنظمات الدولية العاملة في مجال الهجرة، وسبل الاستفادة من خبراتها في تحسين آليات تسجيل المهاجرين وإدارة المخيمات المؤقتة التي تستقبل أعداداً متزايدة من النازحين والمهاجرين.
تعمل الحكومة الليبية، وفقًا لما أعلنه التباوي، على وضع استراتيجية شاملة للتعامل مع ملف الهجرة غير الشرعية بالتعاون مع مجلس النواب الليبي. وتستند هذه الاستراتيجية إلى توجيهات البرلمان الليبي، وتستهدف تحسين قدرات الدولة في التعامل مع تدفقات المهاجرين.
وأشار التباوي إلى أن “أحد أهم محاور هذه الاستراتيجية هو إنشاء قاعدة بيانات موحدة للمهاجرين غير الشرعيين”، والتي ستضم إحصاءات دقيقة حول أعدادهم وظروفهم الاجتماعية والصحية. هذه القاعدة ستمكن الحكومة من مراقبة الأوضاع بشكل أكثر فعالية والتخطيط لتنفيذ سياسات مستدامة تستهدف تحسين أوضاع المهاجرين.
تشكل ليبيا منذ سنوات محطة عبور رئيسية للمهاجرين غير النظاميين المتجهين نحو أوروبا، وهو وضع تفاقم نتيجة الأزمات في المنطقة. ومع ارتفاع أعداد المهاجرين غير الشرعيين الذين يتدفقون عبر الحدود الليبية، تزداد الضغوط على الحكومة الليبية التي تجد نفسها في موقف صعب بين الالتزامات الدولية واحتياجات الأمن الداخلي.
في ظل غياب الحلول الدولية الفعالة لوقف تدفقات المهاجرين، يبدو أن ليبيا تحتاج إلى اتباع نهج شامل ومستدام يعتمد على التعاون بين الوزارات والأجهزة الأمنية، إضافة إلى تعزيز التعاون مع الشركاء الدوليين لضبط الحدود وتوفير دعم إنساني كافٍ للمهاجرين.
في نهاية الاجتماع، تم تقديم سلسلة من التوصيات لرئيس الحكومة، تشمل تعزيز الجهود بين الوزارات والتنسيق مع المنظمات الدولية لفرض سياسات جديدة تهدف إلى تحسين آليات تسجيل المهاجرين وتعزيز البنية التحتية الأمنية. وأعرب الوزراء عن أملهم في أن تُسهم هذه الاستراتيجية في تقليل تدفقات المهاجرين غير الشرعيين وتحسين الأوضاع في المخيمات المؤقتة.
ومع استمرار الأزمة الإقليمية وتأثيراتها على ليبيا، يبقى ملف الهجرة غير الشرعية تحديًا مستمرًا يتطلب من الحكومة اتخاذ خطوات حاسمة لضبط الوضع وتخفيف الأعباء المتزايدة على البنية التحتية الوطنية.