في خطوة قد تكون حاسمة لإنقاذ الاقتصاد الليبي المتعثر، أعلنت الحكومة الليبية برئاسة أسامة حماد الخميس عن استئناف إنتاج النفط بعد رفع حالة “القوة القاهرة” التي كانت مفروضة على جميع الحقول والمواني النفطية منذ أغسطس الماضي. جاء هذا القرار عقب التوصل إلى حل للنزاع العميق حول قيادة مصرف ليبيا المركزي، الذي كان قد أدى إلى تجميد صادرات النفط وأثر سلبًا على الاقتصاد الليبي، المعتمد بشكل أساسي على الإيرادات النفطية.
الرفع لحالة “القوة القاهرة”، الذي جاء بتوجيه مباشر من رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، أعاد الحياة إلى الحقول والموانئ النفطية الليبية. هذا التطور من المتوقع أن يحدث فرقًا إيجابيًا ملموسًا في الاقتصاد الليبي المتأثر بعوامل سياسية وأمنية متراكمة منذ سنوات.
منذ سنوات، يعاني الاقتصاد من انكماش شديد نتيجة الانقسام السياسي الحاد بين حكومتين متنافستين، هذا الانقسام أثر بشكل عميق على القطاعات الحيوية في البلاد، وعلى رأسها قطاع النفط، المورد الرئيسي لإيرادات الدولة.
استئناف إنتاج النفط جاء في وقت حساس، حيث أشار المحلل السياسي إدريس أحميد إلى أن هذه الخطوة ستسهم بشكل مباشر في تحسين الوضع الاقتصادي الليبي. بحسب أحميد وفي تصريحات صحفية رصدتها “أخبار ليبيا 24”، فإن “أي تعطيل إضافي لقطاع النفط سيزيد من تفاقم الأزمة الاقتصادية”، مؤكدًا على أن ليبيا تحتاج إلى استقرار هذا القطاع حتى تتمكن من التعامل مع التحديات الاقتصادية الكبيرة التي تواجهها، بما في ذلك الحاجة إلى تحسين البنية التحتية واستعادة الثقة الدولية في الاقتصاد الليبي.
وبينما يمثل النفط أحد أعمدة الاقتصاد الليبي، إلا أن تذبذب أسعار النفط في السوق العالمية يمثل تحديًا إضافيًا أمام البلاد. احميد أشار إلى أن الاعتماد الكامل على النفط كمورد اقتصادي وحيد ليس كافيًا لدفع عجلة النمو في ليبيا. وأضاف أنه يجب البحث عن بدائل اقتصادية تتيح لليبيا التحوط من المخاطر الناجمة عن تقلبات أسعار النفط العالمية، التي قد تعيق جهود إعادة الإعمار والتنمية.
في هذا السياق، يرى احميد أن الأوضاع المتوترة في منطقة الخليج والشرق الأوسط قد تساهم في زيادة الطلب على النفط الليبي، خاصة في ظل العجز الذي قد يحدث في الإمدادات العالمية نتيجة الأزمات المتلاحقة في تلك المناطق. ومع عودة إنتاج النفط الليبي إلى طبيعته، يمكن لليبيا أن تستفيد من هذه الاضطرابات بزيادة صادراتها، مما سيؤدي إلى تعزيز الإيرادات وتحقيق نوع من الاستقرار الاقتصادي على المدى القصير.
رغم أن استئناف عمليات الإنتاج يمثل خطوة إيجابية، إلا أن احميد يحذر من أن “الحلول الحالية مؤقتة”، مشيرًا إلى أن الاقتصاد الليبي يحتاج إلى إصلاحات هيكلية عميقة. من بين تلك الإصلاحات، دعا إلى ضرورة الاستفادة من الطلب المتزايد على النفط الليبي، ولكنه شدد على أهمية توزيع عائدات النفط بشكل عادل بين جميع المدن والمناطق الليبية لضمان تحقيق التنمية المستدامة.
ومن الجوانب الأساسية التي أشار إليها احميد هو الحاجة إلى حوكمة فعالة لقطاع النفط، وهو ما يعني تحسين إدارة الموارد وتطوير البنية التحتية بما يضمن استمرارية الإنتاج بشكل متوازن وعادل.
التوافق الأخير بين مجلسي النواب والدولة، الذي جاء بعد جولات متعددة من المفاوضات، قد يمثل بارقة أمل للخروج من الأزمات المتراكمة. احميد أشار إلى أن هذا التوافق، وإن كان مبدئيًا، قد يفتح المجال لتشكيل حكومة موحدة تتولى معالجة الأزمات الاقتصادية وتوجيه الجهود نحو إعادة بناء الدولة.
ومع ذلك، يظل الاستقرار السياسي الهش في البلاد يثير تساؤلات حول مدى استمرارية هذه التوافقات، خاصة في ظل الانقسام العميق بين الشرق والغرب الليبي. الحاجة إلى حكومة موحدة تعبر عن إرادة الشعب الليبي وتتبنى سياسات اقتصادية مستقرة تظل محور النقاشات الحالية بين الأطراف المتنازعة.
بناءً على التطورات الأخيرة، يتوقع المحللون أن تشهد ليبيا نوعًا من الاستقرار الجزئي على الأقل على الصعيد الاقتصادي مع استئناف إنتاج النفط وتعيين محافظ جديد لمصرف ليبيا المركزي. هذا التعيين يمثل خطوة مهمة نحو إصلاح النظام المالي في البلاد، الذي تعرض للكثير من الضغوطات في السنوات الأخيرة بسبب الصراعات السياسية والانقسامات الداخلية.
ومع استمرار الأزمات الإقليمية، يمكن أن تلعب ليبيا دورًا محوريًا في سد الفجوة في إمدادات النفط العالمية، ما قد يسهم في تحسين موقفها الاقتصادي على الساحة الدولية. إلا أن الأوضاع السياسية ما زالت تؤثر بشكل مباشر على مدى نجاح تلك التوقعات، حيث يحتاج الاستقرار الاقتصادي إلى استقرار سياسي دائم.
رغم أن الخطوة الأخيرة باستئناف إنتاج النفط تمثل نقطة تحول إيجابية في الاقتصاد الليبي، إلا أن البلاد ما زالت تواجه تحديات هائلة. التوترات الإقليمية وتقلبات السوق النفطية، بالإضافة إلى الانقسامات السياسية الداخلية، تظل تمثل عقبات كبيرة أمام تحقيق الاستقرار.
الفرص موجودة، لكن الاستفادة منها تعتمد بشكل كبير على مدى قدرة ليبيا على تجاوز تلك العقبات، خاصة فيما يتعلق بتعزيز الثقة الدولية وتحقيق التوافقات السياسية التي تسمح بتوحيد الجهود لإعادة بناء البلاد وتحقيق التنمية المستدامة.