الاتحاد الأفريقي: حلم حل الأزمة الليبية المحبط بفعل التدخلات الخارجية
منذ 2011، كانت الأنظار تتجه نحو الاتحاد الأفريقي ليكون فاعلًا أساسيًا في تحقيق المصالحة الوطنية بين الليبيين واستعادة الاستقرار في البلد الذي يعاني من صراعات داخلية وتدخلات خارجية لا تهدأ. لكن الحقيقة المؤسفة التي يُشير إليها الباحث والصحفي إدريس أحميد، تكشف أن الولايات المتحدة قد حالت دون تحقيق هذا الدور، وقامت بتعطيل أي محاولة من الاتحاد الأفريقي لحل الأزمة الليبية التي بدأت بتدخل أجنبي قادته واشنطن.
يرى إدريس أحميد في تصريحات صحفية رصدتها “أخبار ليبيا 24” أن الأزمة الليبية لم تكن نتيجة عوامل داخلية فقط، بل كانت، في جوهرها، أزمة ولدت من رحم التدخل الخارجي، عندما قامت الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة حلف الناتو بتنفيذ عملية عسكرية للإطاحة بالنظام هذا التدخل لم يكن مدفوعًا بمصلحة الليبيين بقدر ما كان استجابة لأجندات دولية تعكس مصالح جيوسياسية معقدة، قادت البلاد إلى دوامة من الفوضى والعنف لم تهدأ حتى يومنا هذا.
ويشير أحميد إلى أن الاتحاد الأفريقي، بقيادة الرئيس الجنوب إفريقي جاكوب زوما آنذاك، حاول التدخل منذ البداية لتقديم مبادرة تهدف إلى وقف إطلاق النار وإيجاد حل سلمي للأزمة، لكن تلك المبادرة لم تُكتب لها الحياة، إذ وُئدت في مهدها نتيجة الضغوط الدولية، خصوصًا من الولايات المتحدة الأمريكية،. وهكذا، أُبعد الاتحاد الأفريقي عن المشهد، وأصبحت الأزمة الليبية تحت سيطرة القوى الدولية، مما أدى إلى استمرار الصراع.
على الرغم من الصعوبات التي واجهها الاتحاد الأفريقي في محاولاته السابقة لحل الأزمة، فإن الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني يقود الآن مبادرة جديدة تهدف إلى إحياء الجهود الأفريقية لتحقيق المصالحة الوطنية في ليبيا. يوضح أحميد أن هذه المبادرة تمثل بادرة أمل جديدة، حيث التقى الغزواني بعدد من الأطراف الليبية المختلفة في إطار التحضير لمؤتمر أديس أبابا القادم، الذي يُؤمل أن يضع خريطة طريق شاملة لحل الأزمة.
إضافة إلى ذلك، من المتوقع أن يقوم الغزواني بزيارة مرتقبة إلى شرق ليبيا للقاء رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، والقائد العام للقوات المسلحة الليبية المشير أركان حرب خليفة بالقاسم حفتر، ورئيس الحكومة الليبية أسامة حماد. هذه الأطراف تعتبر فاعلة وأساسية في المشهد الليبي، والتوصل إلى تفاهمات معها سيكون خطوة حاسمة في تحقيق أي تقدم نحو المصالحة.
لكن التفاؤل بإمكانية نجاح هذه المبادرة الأفريقية يصطدم بالعديد من التحديات. فكما يشير أحميد، فإن ليبيا لا تزال تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، مما يعني أن البلاد تخضع لإشراف دولي وتدخل خارجي، يحد بشكل كبير من قدرة الأطراف المحلية على اتخاذ قراراتها بشكل مستقل. إضافة إلى ذلك، فإن انتشار السلاح والجماعات المسلحة في المناطق الغربية من ليبيا يعقد المشهد بشكل كبير، ويجعل من الصعب تحقيق استقرار مستدام.
الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها ليبيا أيضًا تعد من بين العوامل الرئيسية التي تحول دون الوصول إلى حل شامل. فالعقوبات الدولية والانقسام السياسي الداخلي أديا إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية بشكل كبير، مما زاد من معاناة الشعب الليبي وجعل من أي محاولة لإصلاح الأوضاع أكثر تعقيدًا.
وفيما يتعلق بالانتخابات الليبية، يقول أحميد إن البلاد كانت على موعد مع انتخابات طال انتظارها في 24 ديسمبر 2021، لكن تدخلات خارجية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، حالت دون إجراء هذه الانتخابات، رغم وجود تفاهمات بين مجلس النواب ومجلس الدولة حول العديد من النقاط المتعلقة بتنظيمها. هذا التعطيل الأمريكي لعملية الانتخابات يعد استمرارًا للدور السلبي الذي لعبته واشنطن في إدارة الأزمة الليبية منذ عام 2011.
ورغم كل هذه التحديات، يبقى الأمل معقودًا على الاتحاد الأفريقي إذا استطاع فهم مواطن الخلل ومعرفة الأطراف التي تعرقل المشهد السياسي. فالاتحاد يملك القدرة على لعب دور رئيسي في حل الأزمة الليبية إذا ما أتيحت له الفرصة للتدخل بشكل مستقل وبعيدًا عن التدخلات الخارجية التي تعرقل جهوده.
من هنا، يرى إدريس أحميد أن الحل في ليبيا لا يمكن أن يأتي إلا من خلال جهد جماعي وتنسيق دولي، يتضمن الاعتراف بدور الاتحاد الأفريقي كفاعل أساسي في تحقيق المصالحة الوطنية. إذا ما استمر الدور الأمريكي في تعطيل هذا الجهد، فإن الأزمة الليبية قد تستمر لسنوات طويلة قادمة، دون أفق واضح للحل.