في خطوة جديدة لتحويل الاقتصاد الليبي من الريعية إلى التنوع، تخطط بنغازي لإطلاق مشروع المنطقة الحرة المريسة. هذا المشروع، الذي يعد الأكبر من نوعه في ليبيا وشمال أفريقيا، يأتي ضمن رؤية ليبيا 2040 لتعزيز النمو الاقتصادي وتقليل الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي للإيرادات. يهدف المشروع إلى أن يصبح محطة تجارية رئيسية على ساحل شمال أفريقيا، متصلاً بأحد أهم مسارات الشحن العالمية التي تربط أفريقيا بأوروبا والشرق الأوسط.
يضم المشروع ميناءً رئيسياً تبلغ مساحته 650 هكتاراً (6.5 كيلومترات مربعة)، وسيكون أحد أهم عوامل نجاح المنطقة الحرة. الموقع الجغرافي المتميز لبنغازي يجعلها نقطة مثالية لربط الأسواق الأفريقية بالأوروبية. فالميناء سيكون متصلاً بشبكة طرق إقليمية تمر عبر مدينة الكفرة في جنوب ليبيا وتصل إلى تشاد والسودان، ما يجعل من المريسة بوابة تجارية استراتيجية لنقل البضائع بين القارات.
وبالنظر إلى قرب بنغازي من قناة السويس، فإن الموقع يعزز فرص جذب الشركات العالمية التي تتطلع إلى تقليل تكاليف النقل وتسهيل عمليات الشحن. المشروع لا يقتصر على التجارة فقط، بل يشمل أيضاً مناطق صناعية وسياحية وذكية، مما يعزز من مكانة ليبيا كمركز تجاري إقليمي قادر على المنافسة في الأسواق العالمية.
تعود فكرة مشروع المنطقة الحرة المريسة إلى عام 2007، حيث تمت الموافقة عليه من قبل اللجنة العامة الليبية آنذاك. ومع ذلك، تعثر المشروع لسنوات عديدة بسبب عدم الاستقرار السياسي والصراعات المتكررة في البلاد. إلا أنه في عام 2012، تم تعيين مجلس إدارة جديد للمنطقة، وتشكيل لجنة تأسيسية وهيئة مستقلة لتطوير المشروع.
وفقًا لرئيس المنطقة الحرة، أسامة الجهاني، فإن المشروع يدعم رؤية ليبيا 2040 التي تهدف إلى تقليل اعتماد البلاد على النفط وتعزيز قطاعات أخرى مثل السياحة والصناعة والتجارة. الجهاني أشار أيضاً إلى أن المنطقة ستكون مخصصة للتعامل بالدولار الأميركي فقط، ما يساهم في استقرار العملية التجارية وجذب المستثمرين.
جزء آخر من هذا المشروع الطموح يتمثل في دمج المنطقة الحرة المريسة مع مطار تيكا الذي يبعد حوالي 10 كيلومترات عن المشروع. هذا التكامل سيسهم في تسهيل عمليات نقل البضائع سواء عن طريق الجو أو البر، مما يعزز من كفاءة النقل ويخفض تكاليفه بنسبة تصل إلى 50%. الطريق الواصلة بين بنغازي وسرت ومن ثم إلى الجنوب ستشكل جزءاً من شبكة لوجستية تربط ليبيا بالأسواق الأفريقية.
من الناحية الاقتصادية، يعد مشروع المنطقة الحرة المريسة محفزًا كبيرًا للاقتصاد الليبي. التكلفة الإجمالية للمشروع تقدر بنحو 10 مليارات دولار، وهو استثمار ضخم سيسهم في توفير 60 ألف فرصة عمل مباشرة، و420 ألف فرصة عمل غير مباشرة في مجالات مثل التكنولوجيا، والصناعة، والخدمات اللوجستية. بحلول عام 2030، يُتوقع أن يوفر القطاع التكنولوجي وحده ما بين 5 آلاف إلى 15 ألف فرصة عمل.
ويشير الخبراء إلى أن المشروع قد يسهم في نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تصل إلى 15% بحلول عام 2050. هذا النمو المتوقع يعزز مكانة بنغازي كمركز اقتصادي رئيسي في شمال أفريقيا ويفتح الباب أمام فرص استثمارية كبيرة.
وفي إطار جذب المزيد من الاستثمارات، كشف أسامة الجهاني عن خطة لبناء منطقة سياحية داخل المشروع تتضمن فنادق، مراكز تجارية، ومساحات للاستثمار العقاري. هذه الخطوة تهدف إلى تعزيز قطاع السياحة في ليبيا، الذي يعاني من ضعف في البنية التحتية والترويج العالمي. الجهاني أوضح أن هذه المشاريع السياحية ستكون جزءاً من رؤية شاملة لتحويل المنطقة الحرة إلى مركز جذب سياحي عالمي.
على الرغم من الإمكانات الكبيرة لمشروع المريسة، يواجه التنفيذ تحديات عدة. الأوضاع السياسية في ليبيا ما زالت غير مستقرة، مما قد يؤثر على جذب الاستثمارات الأجنبية. ولكن الجهاني يؤكد أن المشروع يحظى بدعم دولي وإقليمي، خاصة من شركات إماراتية متخصصة مثل “جلوبال بيلدرز”، التي تعمل على تصميم وإنشاء الميناء.
الخطة الزمنية لإنهاء المشروع تمتد على ثلاث سنوات من توقيع العقود، الذي جرى في أغسطس/آب الماضي. إذا ما تم تنفيذ المشروع بنجاح، فإنه سيحول بنغازي إلى مركز اقتصادي وتجاري رئيسي في المنطقة، وسيعيد ليبيا إلى الخريطة الاقتصادية العالمية.
مشروع المنطقة الحرة المريسة ليس مجرد مشروع اقتصادي، بل هو رؤية طموحة لمستقبل ليبيا. في وقت يعاني فيه الاقتصاد الليبي من الاعتماد المفرط على النفط، يمثل المشروع فرصة لتنويع مصادر الدخل وتطوير قطاعات جديدة. الأهم من ذلك، أنه يمثل الأمل في استعادة ليبيا لدورها كلاعب رئيسي في التجارة الإقليمية والدولية.
وفي الختام، المشروع سيعزز من مكانة بنغازي بوصفها مدينة محورية على طريق التجارة العالمي، ويضع ليبيا على طريق التعافي الاقتصادي.