تعيش ليبيا في ظلال صراع سياسي معقد يتشابك فيه المجلس الرئاسي وحكومة الدبيبة منتهية الولاية مع مجلس النواب، خاصة في ظل انقضاء شرعية الاتفاق السياسي منذ نهاية عام 2021. ومع تسارع الأحداث، نجد أن الأطراف تتبادل الاتهامات وتتنازع على مشروعية القرارات السياسية، مما يؤجج الصراع الداخلي ويعكس مدى التباعد بين المؤسسات الحكومية. ومع تصاعد هذا الصراع، تبرز أصوات تدعو إلى إعادة النظر في الهيكلية السياسية الحالية لضمان احترام سيادة القانون وحماية استقرار ليبيا.
مجلس النواب: السلطة الدستورية الحقيقية
مجلس النواب، الذي يُعتبر السلطة التشريعية الوحيدة المنتخبة من الشعب، يُعد المؤسسة الأكثر شرعية في المشهد السياسي. وقد أكد سلامة الغويل، رئيس مجلس المنافسة ومنع الاحتكار التابع لمجلس النواب ووزير الدولة للشؤون الاقتصادية الأسبق بحكومة الدبيبة منتهية الولاية، أن مجلس النواب هو “السلطة الوحيدة الحقيقية المنبثقة من إرادة الشعب”. ويمثل هذا المجلس برلماناً دستورياً دائماً لا يمكن استبداله إلا عبر انتخابات نزيهة وشفافة تأتي بمجلس جديد.
وينتقد الغويل في تصريحات صحفية رصدتها “أخبار ليبيا 24”، دور المجلس الرئاسي، معتبرًا أنه يتدخل بشكل غير مبرر في شؤون مجلس النواب، وهو أمر خطير، لأن المحكمة الدستورية هي الجهة الوحيدة المخولة للفصل في النزاعات القضائية. كما يرى الغويل أن المساس باستقلال القضاء قد يؤدي إلى عواقب وخيمة، حيث أن القضاء يجب أن يُحترم ويُحصّن ضد أي محاولات تدخل.
الشرعية السياسية في الميزان
يشير الغويل إلى أن الاتفاق السياسي الذي أفضى إلى تشكيل حكومة الدبيبة منتهية الولاية والمجلس الرئاسي قد انتهت مدته في ديسمبر 2021. ويرى أنه بناءً على ذلك، لا يملك المجلس الرئاسي وحكومة الدبيبة أي شرعية سياسية أو قانونية للاستمرار. ويصف هذا الوضع بأنه يسهم في زعزعة الاستقرار الداخلي، ويجعل من الرئاسي طرفاً متورطاً في صراعات سياسية تعمل لصالح حكومة الدبيبة التي انتهت ولايتها منذ زمن.
ويضيف أن المجلس الرئاسي، على الرغم من محاولاته لإظهار نفسه بعيداً عن الصراع، أصبح أداة سياسية تخدم مصالح فئة معينة، مما يضعف من شرعيته ويقلل من مصداقيته أمام الشعب الليبي وأمام المجتمع الدولي.
الصراع السياسي: معضلة السلطة وحدودها
من أبرز الانتقادات التي يوجهها الغويل، هي تدخل المجلس الرئاسي في اختصاصات مجلس النواب، حيث يرى أن المجلس الرئاسي لا يملك الحق في منازعة البرلمان في اختصاصاته. وينظر الغويل إلى مجلس النواب كسلطة دستورية دائمة تستمد قوتها من الشعب الليبي نفسه، محذراً من أن أي محاولات لنزع هذه الشرعية قد يؤدي إلى تصاعد حدة الصراع السياسي، ما يجعل الدولة عرضة لانقسامات جديدة وتداخل مصالح داخلية وخارجية.
وفي هذا السياق، يشير الغويل إلى أن السلطة التشريعية تُعتبر المصدر الأساسي للتشريعات، ولا يجوز للمجلس الرئاسي التدخل في مهامها أو محاولة فرض سيطرته، لأن ذلك قد يدفع البرلمان إلى اتخاذ إجراءات صارمة ضد الرئاسي، مما سيعقد المشهد السياسي بشكل أكبر.
ضرورة التوافق الإقليمي والدولي
يتطرق الغويل أيضاً إلى مسألة التوافق بين الأطراف الإقليمية والدولية وأثرها على الشأن الليبي. ويرى أن الحل الداخلي للصراع السياسي الليبي لن يتحقق بدون الوصول إلى توافق إقليمي أو دولي يساهم في تهدئة الأطراف المحلية. ويشير إلى أن بعض الدول الإقليمية بدأت تنظر إلى ليبيا كقلب ومركز الدولة الحقيقية، مما يفتح الباب أمام إمكانية تعزيز الحوار بين الأطراف الليبية المتنازعة في الفترة المقبلة.
ويرى أن هذا التوافق هو خطوة أساسية نحو التوصل إلى حل سياسي دائم يُنهي حالة عدم الاستقرار التي تعاني منها ليبيا، ويعزز من قدرة الشعب الليبي على تحقيق طموحاته بعيداً عن تأثيرات القوى الخارجية.
الغويل وحكومة الدبيبة: انشقاق لأسباب وطنية
على المستوى الشخصي، يعرب الغويل عن استيائه من سياسات حكومة الدبيبة، والتي كان جزءاً منها لفترة وجيزة قبل أن يقرر الانسحاب. ويقول إنه انسحب بسبب إحباطه من المشروع الوطني الذي تطرحه الحكومة، حيث يرى أن المشروع يفتقر إلى الرؤية التنموية الحقيقية ولا يحترم خصوصية الفرد الليبي. كما يصف الأمور داخل حكومة الدبيبة بأنها بنيت على الولاءات وليس على الكفاءات، ويعبر عن رفضه لأن يكون “مجرد كومبارس” في مشهد سياسي لا يخدم مصلحة ليبيا.
ويؤكد الغويل أن بناء الدولة الليبية يجب أن يقوم على العدالة والتنمية الحقيقية، وليس على اتفاقيات مشبوهة تسعى لنهب ثروات البلاد. ويشير إلى محاولات دائمة للاستيلاء على الثروات الوطنية، سواء من خلال اتفاقيات الحقول النفطية أو غيرها من العقود التي تصب في مصلحة أطراف محددة دون النظر إلى الشعب الليبي وحقوقه.
أهمية تحصين القضاء وصون الدولة
أحد القضايا الحساسة التي يثيرها الغويل هي مسألة القضاء الليبي، الذي يعتبره خطاً أحمر لا يجوز للمجلس الرئاسي أو غيره من المؤسسات تجاوزه. ويؤكد على ضرورة أن يظل القضاء محصناً، وأن تُعالج قضاياه الداخلية بشكل دقيق ودون تدخل سياسي. فالعدالة والقضاء يشكلان أساس استقرار أي دولة، وأي تلاعب بهما سيؤدي إلى كارثة وطنية.
ويختتم الغويل تصريحاته بتأكيده على أهمية تحصين مؤسسات الدولة من محاولات الاختراق السياسي، وعلى ضرورة أن تكون هناك قوة ضابطة تضع مصلحة ليبيا أولاً، وترفع من شأن القانون والعدالة.