خلفية تاريخية للأزمة السياسية
في مشهد سياسي معقد يزداد تشابكًا في ليبيا، تصاعدت الخلافات بين مجلس النواب والمجلس الرئاسي على خلفية مطالبات الرئاسي بإلغاء قانون إنشاء المحكمة الدستورية في بنغازي، حيث أبدى عدد من النواب اعتراضهم على هذه المطالب، معتبرين أنها تعبر عن انحياز سياسي واضح واتهامًا موجهًا لرئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي بعدم الحياد، ليؤكدوا في بيان مشترك انتهاء ولايته. جاءت هذه الانتقادات نتيجة ما يعتبره النواب “تجاوزًا” من المجلس الرئاسي عن دوره المحدد في توحيد المؤسسات الوطنية، ودعمه المتأخر للانتخابات العامة المتفق عليها في اتفاق جنيف.
في البيان الأخير، أكّد أعضاء من مجلس النواب أن المنفي لم يعد يحمل صفة “الرئيس الشرعي” بعد أن صوّت مجلس النواب بالإجماع، في 13 أغسطس 2024، بانتهاء ولاية المجلس الرئاسي. هذا التصويت، حسب ما جاء في البيان، يسقط الصفة الرسمية عن المنفي ويمهد الطريق أمام البرلمان ليكون السلطة التشريعية الوحيدة التي يحق لها البت في قضايا البلاد الكبرى، بينما يبقى التغيير في عضوية المجلس فقط من خلال الانتخابات العامة. وأضاف البيان أن المجلس الرئاسي بات طرفًا منحازًا يتخذ قراراته وفق أجندات تخدم جهات معينة، وليس كجهة محايدة كما يدعي.
وفي السياق ذاته، أشار أعضاء البرلمان إلى أن الحكومة منتهية الولاية بقيادة عبد الحميد الدبيبة كانت السبب الأساسي في تعطيل مسار الانتخابات عبر عرقلة القوانين التي وضعتها لجنة “6+6” وأثارت جدلاً كبيرًا بشأن قابليتها للتنفيذ. واعتبر النواب أن هذه الحكومة لا تزال تتخذ قرارات متجاوزة للمؤسسات الدستورية، من دون أي موقف حازم من المجلس الرئاسي ضد تلك التجاوزات.
وأشار البيان إلى حادثة تسليم الحكومة لمواطن ليبي لدولة أجنبية، مما اعتبره النواب خرقًا واضحًا للسيادة الوطنية وتجاوزًا غير مقبول، مطالبين المجلس الرئاسي باتخاذ موقف حاسم تجاه هذه الإجراءات التي تعمق الانقسامات في البلاد وتضر بمساعي المصالحة.
ووفقًا لما ورد في البيان، فقد حدد اتفاق جنيف ثلاثة مهام أساسية للمجلس الرئاسي، وهي توحيد المؤسسات، تنظيم الانتخابات، وتعزيز المصالحة الوطنية، غير أن أداء المجلس لم يرقَ إلى مستوى هذه المهام، ما دفع النواب للتساؤل عن الإنجازات التي حققها المجلس الرئاسي خلال السنوات الماضية في هذه الملفات. واستنكروا افتقار المجلس للتواصل المباشر مع الشعب الليبي لتوضيح سير العمل في هذه الملفات المهمة، مما يضعه في موضع مساءلة أمام المواطنين.
فيما يتعلق بالانتخابات، دعا النواب المجلس الرئاسي إلى الالتزام الكامل بدعم قوانين لجنة “6+6” التي وُضعت لتنظيم الانتخابات القادمة، محذرين من أي محاولة للالتفاف على هذا المسار القانوني أو محاولة خلق مسارات بديلة تضعف من فرص إجراء الانتخابات في موعدها المرتقب. واعتبر النواب أن أي مسعى آخر يتجاوز هذه القوانين سيؤدي إلى مزيد من التأجيل والتوترات السياسية، مؤكدين ضرورة العمل الجاد على تعزيز ثقافة التوافق الوطني والانفتاح على الحوار بين مختلف الأطراف لتحقيق الاستقرار.
أكد النواب في ختام بيانهم أن مجلس النواب هو المؤسسة الشرعية الوحيدة التي يجب أن تقود البلاد نحو الاستقرار السياسي عبر الانتخابات النزيهة، وشددوا على أن أي تغيير في أعضائه لا يمكن أن يتم إلا من خلال صناديق الاقتراع، بما يعزز شرعية المجلس في أعين الشعب الليبي. ودعا البيان جميع القوى الوطنية للانضمام إلى المسار الدستوري وإعادة بناء الثقة بين الليبيين بعيدًا عن التوترات السياسية والانقسامات التي تعمق الأزمة.
في ضوء هذه المستجدات، يبقى التساؤل الأكبر حول قدرة الأطراف الليبية المختلفة على تجاوز خلافاتها المتجذرة والالتزام بخريطة الطريق التي وضعتها لجنة “6+6” لتحقيق حلم الشعب الليبي في السلام والاستقرار.