في خطوة أثارت ردود فعل واسعة من الأوساط الحقوقية والمدنية، أصدرت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا بيانًا شديد اللهجة استنكرت فيه تصريحات وزير الداخلية المكلف في حكومة الدبيبة منتهية الولاية، عماد الطرابلسي، التي أطلقها خلال مؤتمر صحفي مؤخرًا. وفي ظل الانتقادات العديدة التي تلقاها الطرابلسي، أكدت المؤسسة أن بعض ما ورد في تصريحاته يُعتبر إساءة للمجتمع الليبي وتجاوزًا غير مبرر للقوانين المعمول بها. ورغم أن ليبيا تواجه تحديات أمنية واجتماعية معقدة، إلا أن المؤسسة ترى أن الحل لا يجب أن يأتي على حساب الحقوق الأساسية والحريات المكفولة للمواطنين.
خلفية الأزمة وتصريحات الوزير جاءت تصريحات الطرابلسي ضمن سياق أمني مثير للجدل، حيث تعهد باتخاذ “إجراءات صارمة” ضد ما وصفه “بالتصرفات غير اللائقة” من قبل بعض الشباب. كما أشار إلى أن معدلات تعاطي المخدرات بين الشباب تتزايد بشكل ملحوظ، وأنه سيقوم بخطوات “تعسفية” لمحاربة هذه الظاهرة حتى وإن لم تكن مستندة إلى نصوص قانونية واضحة. لكن تصريحاته هذه اعتبرتها مؤسسة حقوق الإنسان تحديًا مباشرًا لسيادة القانون، حيث أثار الحديث عن حبس الشباب “خارج إطار القانون” مخاوف من تطبيق أساليب قمعية في معالجة قضايا مجتمعية حساسة.
اتهامات بانتهاك الحقوق والحريات من أبرز النقاط التي أثارت غضب مؤسسة حقوق الإنسان هي ما وصفته “بالتجاوزات القانونية والإساءات المجتمعية” التي وردت في تصريحات الوزير، والتي استهدفت الشريحة الأكبر من الشباب. وفي بيانها، شددت المؤسسة على أن من واجبات وزير الداخلية الحفاظ على النظام العام والأمن دون المساس بحقوق الأفراد وحرياتهم الشخصية. كما أشارت إلى أن توجيه اتهامات بتفشي الإدمان بين الشباب بلا أدلة موثوقة يعد بمثابة تشويه لصورة المجتمع الليبي.
وأضافت المؤسسة أن إصرار الوزير على فرض قيود على تصرفات الشباب وتهديده بحبسهم بشكل تعسفي يتنافى مع القانون الليبي، كما أنه يثير تساؤلات حول نوايا الحكومة المؤقتة وأسلوبها في التعامل مع القضايا المجتمعية. وأكدت أن هذه التصريحات قد تدفع المجتمع الدولي إلى الاعتقاد بأن الحكومة لا تتبنى أسلوبًا ديمقراطيًا في إدارة البلاد.
المجتمع الليبي وردود الفعل الشعبية لم تكن المؤسسة وحدها من انتقد تصريحات الطرابلسي؛ فالتصريحات انتشرت بشكل واسع بين الأوساط الشعبية، مما أثار جدلًا حادًا حول نية الحكومة بفرض وصاية قسرية على المجتمع. العديد من المواطنين أعربوا عن قلقهم من أن تصريحات الوزير تشير إلى نهج أمني صارم وغير مبرر يستهدف الحريات الشخصية. كما أشار البعض إلى أن هذه التصريحات تعكس توجهات سلطوية قد تؤدي إلى فرض قيود تعسفية على الأنشطة الاجتماعية البسيطة مثل ارتياد المقاهي أو العمل في مجالات محددة، دون أي مبرر قانوني واضح.
وفي السياق ذاته، أثارت مؤسسة حقوق الإنسان استغرابها من تصريحات الوزير حول رواد المقاهي ومرتادي أماكن الترفيه. فرغم أن بعض التصرفات قد تكون غير ملائمة اجتماعيًا، إلا أن القانون ينظم الأفعال المشينة بشكل واضح، ولا يتطلب تدخلات قسرية من الحكومة في حياتهم الشخصية. كما أكدت المؤسسة أن فرض قيود على مثل هذه الأنشطة يُعد انتهاكًا صارخًا للحقوق المدنية، وأن تلميحات الوزير حول “الحفاظ على الأخلاق العامة” تعتبر تدخلاً غير مبرر في سلوك الأفراد.
تحليل قانوني للأزمة من الناحية القانونية، تتضمن تصريحات الطرابلسي مخالفات دستورية تتعارض مع المادة 31 من الإعلان الدستوري، والتي تنص على مبدأ “لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص”. وبحسب التحليل القانوني، فإن تصريحات الوزير تتسم بالخطورة كونها صادرة عن مسؤول رسمي، مما يعني أن تطبيق هذه الإجراءات قد يتسع ليشمل فئات واسعة من المواطنين، دون مبرر قانوني كافٍ. فإلزام النيابة العامة بمواصلة حبس المشتبه بهم في قضايا المخدرات قد يُعتبر من قبيل تعطيل القانون، وهي ممارسة يُعاقب عليها القانون الليبي بعقوبة الحبس والعزل من الوظيفة.
وفي هذا السياق، دعت مؤسسة حقوق الإنسان النائب العام إلى التحقيق في التصريحات التي تتضمن انتهاكات محتملة للحقوق، وضمان التزام وزارة الداخلية بالمسار القانوني الصحيح. كما دعت إلى إحالة المسؤولين عن أي تجاوزات قانونية إلى العدالة لضمان سيادة القانون.
الحكومة منتهية الولاية بين الانتقادات الشعبية والمطالب الدولية تواجه حكومة الدبيبة منتهية الولاية ضغوطًا متزايدة من الأطراف الدولية التي تراقب عن كثب تطورات الوضع الداخلي في ليبيا، حيث عبرت عدة منظمات حقوقية عن قلقها من احتمال انزلاق الحكومة نحو أساليب قمعية تستهدف الحريات الأساسية للمواطنين. ويأتي هذا القلق في وقت تسعى فيه ليبيا إلى تعزيز علاقاتها مع المجتمع الدولي لاستعادة الاستقرار الداخلي واستقطاب الاستثمارات الأجنبية، لكن تصريحات الطرابلسي أضرت بصورة البلاد.
كما أن سعي الحكومة لفرض نظام محدد من شأنه أن يضعف صورة ليبيا أمام العالم ويشوه سمعة المجتمع الليبي، مما قد يؤدي إلى فقدان ثقة المجتمع الدولي. في هذا السياق، أكدت مؤسسة حقوق الإنسان أن الحكومة مطالبة بالتركيز على قضايا الأمن والاستقرار ومكافحة الجرائم الخطيرة.