تشهد ليبيا جدلًا متزايدًا حول تسعيرة الخبز، التي أصبحت مسألة تشغل الشارع الليبي ومختلف الجهات الرسمية، بعد تصريحات رئيس نقابة الخبازين، بوخريص محمد، التي أكدت أن السعر الحالي للخبز غير عادل ويعاني من عدم التوازن مع تكاليف الإنتاج المرتفعة. في ظل ارتفاع أسعار الدقيق وعدم تأثرها بانخفاض سعر صرف الدولار، دعت النقابة الحكومة الليبية إلى إعادة النظر في التسعيرة الرسمية وتحديد تكلفة الخبز بما يتوافق مع الأعباء الحقيقية التي يتحملها قطاع الخبازين.
منذ بداية أزمة التضخم في ليبيا، شهدت أسعار الدقيق ارتفاعًا مستمرًا، حيث ارتفع سعر القنطار من حوالي 140 دينارًا في عام 2020 إلى ما يتراوح بين 200 إلى 220 دينارًا حاليًا. ويعزو الخبازون هذا الارتفاع إلى عدة عوامل، منها استيراد معظم مكونات صناعة الخبز من الخارج، فضلاً عن تأثرها بتقلبات سعر الصرف رغم انخفاضه في الفترة الأخيرة، مما يجعل التسعيرة الحالية، التي تقضي ببيع أربع أرغفة بوزن 100 جرام بدينار واحد، غير مجدية للمخابز.
وفي هذا السياق، صرّح بوخريص محمد بأن السعر العادل لرغيف الخبز يجب أن يكون بواقع ثلاثة أرغفة بدينار، وذلك ليعكس التكاليف الحقيقية التي يتحملها الخبازون. وأكد أن تسعيرة الأربع أرغفة كانت مناسبة فقط في 2020، عندما كانت أسعار المواد الخام أقل بكثير من الأسعار الحالية.
استجابة لهذه المطالب، تم تشكيل لجنة تضم أعضاء من النقابة، ووزارة الاقتصاد، والحرس البلدي، وذلك بهدف إجراء دراسة دقيقة لحساب التكلفة الفعلية لرغيف الخبز، وتحديد السعر الذي يضمن استمرارية عمل المخابز ويحافظ على حق المواطن في الحصول على الخبز بأسعار معقولة. ووفقًا لبوخريص، فإن هذه اللجنة ستعكف على دراسة أسعار المواد الخام وأسعار الصرف، في محاولة للوصول إلى تسعيرة عادلة.
وأكد وزير الاقتصاد في حكومة الوحدة الوطنية، محمد الحويج، دعمه لتأجيل تنفيذ القرار رقم 89، الذي ينص على تسعيرة أربع أرغفة بدينار، إلى حين انتهاء اللجنة من الدراسة وتحديد التكلفة الفعلية لرغيف الخبز. وتعهد الحويج بإصدار تعليمات إلى الحرس البلدي بتجميد القرار إلى حين التوصل إلى حل يحقق توازنًا بين مصلحة المواطن والخبازين.
تواجه نقابة الخبازين تحديًا كبيرًا في إقناع الحكومة بضرورة تعديل التسعيرة الحالية للخبز، خاصة في ظل الضغوط الاقتصادية التي تواجهها البلاد. ومن وجهة نظر النقابة، فإن عدم تعديل التسعيرة سيؤدي إلى اضطرار عدد من المخابز إلى إغلاق أبوابها، نظرًا لعدم قدرتها على تحمل تكاليف الإنتاج المرتفعة دون وجود هامش ربح ملائم.
وأشار بوخريص إلى أن التسعيرة الحالية لا تتناسب مع التكاليف التي يتحملها الخبازون، وأن هناك تفاقمًا في معاناة أصحاب المخابز نتيجة ارتفاع أسعار المواد الأساسية مثل الدقيق، والزيت، والخميرة، والتي لم تتأثر بانخفاض سعر الدولار، مؤكدًا أن الحل الأمثل يكمن في تحديد تسعيرة تستند إلى معايير حقيقية وواقعية.
يعتبر الخبز سلعة أساسية للمواطن الليبي، وبالتالي فإن أي تغيير في سعره يؤثر مباشرة على المواطن وعلى قدرته الشرائية. ووفقًا لخبراء الاقتصاد، فإن استمرار ارتفاع أسعار الدقيق سيزيد من الضغوط الاقتصادية على المواطنين، الذين يعانون بالفعل من تدهور في القوة الشرائية نتيجة التضخم والأزمات المالية المتلاحقة.
من ناحية أخرى، فإن أزمة الخبز تكشف عن إشكالية أوسع في السياسات الاقتصادية المتعلقة بدعم السلع الأساسية وسبل توفيرها بأسعار معقولة للمواطنين. وقد تتسبب هذه الأزمة في زعزعة استقرار قطاع الخبز، ما لم تتخذ الحكومة إجراءات فعالة للحفاظ على توازن الأسعار، سواء من خلال دعم المواد الخام أو تحديد تسعيرة تتماشى مع الواقع الاقتصادي الحالي.
مع انتظار تقرير اللجنة لتحديد تكلفة الخبز، يبقى السؤال مطروحًا حول مدى قدرة الحكومة على تلبية مطالب نقابة الخبازين وتحقيق توازن يحمي حقوق جميع الأطراف. وبينما يتابع المواطن الليبي تطورات هذه الأزمة، يتجلى التحدي الأكبر أمام الحكومة في كيفية تقديم حلول عملية ومستدامة تراعي الظروف الاقتصادية وتخفف من الأعباء على الخبازين والمواطنين على حد سواء.
ومع تشديد وزير الاقتصاد على ضرورة استكمال الدراسات المتعلقة بتحديد التكلفة الحقيقية للخبز، تترقب الأوساط المعنية نتائج تقرير اللجنة وما سيترتب عليه من قرارات، في ظل استمرار ارتفاع أسعار المواد الخام وصعوبة الحصول على تسعيرة عادلة تخفف من العبء على المواطنين وتضمن استمرارية قطاع المخابز.
خاتمة
تشكل أزمة تسعير الخبز في ليبيا جزءًا من أزمة اقتصادية أشمل تعصف بالبلاد، مما يعكس الحاجة إلى مراجعة شاملة لسياسات الدعم وإجراءات تعزيز الإنتاج المحلي.