أعلن وزير الداخلية المكلف في حكومة الدبيبة منتهية الولاية، عماد الطرابلسي، عن خطة مثيرة للجدل تتضمن تفعيل شرطة الآداب لمتابعة الشارع العام والرقابة على المحتوى المنشور على وسائل التواصل الاجتماعي. وقد أثارت هذه التصريحات جدلا واسعا بين مختلف الأطراف الليبية، ودفعت إلى تساؤلات عن حدود التدخل الأمني في حياة المواطنين الشخصية ومدى التزام هذه الخطة بمبادئ حقوق الإنسان. جاء الطرابلسي ليؤكد أن الإجراءات تستهدف “الحفاظ على الفضيلة ومكافحة الانفلات الأخلاقي”، لكنه يواجه تحديا يتمثل في اعتراضات من الحقوقيين والمواطنين الذين يرون في هذه الخطة تهديدا للحريات العامة.
تهدف الخطة التي أعلنها الطرابلسي إلى تفعيل شرطة الآداب بمتابعة سلوك الأفراد في الأماكن العامة، بالإضافة إلى مراقبة المحتوى على مواقع التواصل الاجتماعي. وتشمل هذه الإجراءات أيضا ضبط الأنشطة التجارية التي قد تتعارض، من وجهة نظر وزارة الداخلية، مع القيم والأعراف الليبية، مثل محال الحلاقة والتجميل التي تروج لمظاهر لا تتماشى مع الضوابط الاجتماعية التقليدية.
وركز الطرابلسي خلال مؤتمره الصحفي على ضرورة “الحفاظ على قيم المجتمع” والتصدي لما وصفه بـ”الانحلال الأخلاقي”. وأعلن عن خطط لملاحقة مرتادي المقاهي والمطاعم من غير العائلات أو ممن يرتدون ملابس غير لائقة. وفي تعليقه على تدابير الرقابة، أشار إلى ضرورة فرض شروط صارمة على مقاهي “الأرقيلة”، مؤكدًا أن الوزارة ستمارس سلطتها القانونية لمنع “الاختلاط غير المنضبط”.
وردًا على هذه الخطط، أعرب أحمد حمزة، رئيس المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا عن قلقه البالغ حيال ما أسماه “انتهاكات حقوق الإنسان”. ويعتبر حمزة أن “التشدد في الرقابة الاجتماعية يمهد لبيئة تعسفية قد تؤدي إلى استهداف شريحة واسعة من المجتمع بذريعة حماية الفضيلة”. ويشير إلى أن التشريعات الليبية النافذة تحدد السلوكيات المجرمة في الأماكن العامة، وأن التدخل في نمط الحياة الاجتماعية للأفراد يتطلب توافقا قانونيا يعزز من احترام الحقوق المدنية والحريات العامة.
ويعتبر حمزة في تصريحات صحفية رصدتها “أخبار ليبيا 24” أن “ما تحدث عنه الطرابلسي يمثل تجاوزًا لحدود دور وزارة الداخلية وتدخلاً في اختصاصات السلطة التشريعية”. ويشير إلى أن المسؤولية عن تحديد الجرائم والسلوكيات يجب أن تُسند إلى الجهات التشريعية التي تصدر القوانين المناسبة.
تطرح تصريحات الطرابلسي إشكالية تتعلق بتأثير سياسات التقييد الاجتماعي على النسيج المجتمعي في ليبيا، فمع وجود فئات متنوعة من المواطنين الذين يتمسكون بتقاليد وأعراف مختلفة، فإن فرض لوائح أخلاقية شديدة قد يثير المزيد من الانقسام بين الفئات المجتمعية. يقول حمزة إن “الحديث عن تفعيل شرطة الآداب يوحي وكأن المجتمع الليبي بحاجة إلى توجيه أخلاقي مستمر من الحكومة”، ويرى في هذا التصور تقليلا من شأن الأسر الليبية، التي يؤكد أنها تُؤسّس القيم الأخلاقية لأبنائها.
ويدعو حمزة إلى ضرورة إعادة النظر في مفهوم الشرطة الأخلاقية، حيث يعتبر أن الانزلاق نحو هذا الاتجاه قد يؤدي إلى التضييق على الحريات الشخصية في بلد يحتاج إلى تعزيز مناخ التسامح والتعايش المشترك. ويضيف قائلا: “المجتمع الليبي يملك منظومة أخلاقية راسخة، وما تحتاجه ليبيا اليوم هو حلول حقيقية لمعالجة الانفلات الأمني لا لانتهاك حريات الأفراد”.
يُظهر التهديد بإغلاق محال الحلاقة والتجميل أو مقاهي الأرقيلة، مدى تداخل التوجهات الأخلاقية مع الاعتبارات الاقتصادية. فمثل هذه الأنشطة التجارية ليست مجرد محال ترفيهية، بل تمثل مصادر دخل لفئات واسعة من المجتمع. ويتساءل حمزة حول مدى تأثير هذه القيود على الأنشطة التجارية التي توفر فرص عمل لأعداد كبيرة من المواطنين، محذرا من أن التدخل في تنظيم هذه الأعمال يجب أن يخضع للقوانين الاقتصادية والتنظيمات التجارية التي تشرف عليها وزارة الاقتصاد والتجارة، ولا تتدخل بها وزارة الداخلية.
ويشير إلى أن “التضييق على الأنشطة التجارية يزيد من مستوى البطالة ويؤثر على اقتصاد البلاد، إذ لا يمكن تبرير الإجراءات الأمنية بذرائع فضفاضة دون النظر في التداعيات الاقتصادية”.
لم تمر تصريحات الطرابلسي مرور الكرام، إذ اشتعلت منصات التواصل الاجتماعي بنقاشات واسعة حول جدوى مثل هذه الإجراءات، وتباينت الآراء بين من يدعم الخطط الأمنية كوسيلة للحفاظ على النظام الاجتماعي، وبين من يعترض على اعتبارها انتهاكا للحريات الشخصية. ويقول أحد المتابعين على تويتر: “من يحاول فرض قيم أخلاقية عبر وسائل أمنية يخطئ طريق الإصلاح الحقيقي. الحريات لا يجب أن تكون ضحية”.
وقد طالب العديد من النشطاء الحقوقيين بإلغاء هذه الخطط وضرورة التزام وزارة الداخلية بمعايير حقوق الإنسان. وعبّر آخرون عن رفضهم لتكرار نموذج “شرطة الآداب” الذي قد يثير الرعب والخوف بين المواطنين، ويدفع بالبعض للابتعاد عن الأماكن العامة لتجنب الملاحقة.
في ضوء تصاعد الانتقادات، تظهر الحاجة إلى إعادة النظر في الخطة المقترحة، حيث يمكن القول بأن الاستعجال في تنفيذ مثل هذه الإجراءات قد يؤدي إلى المزيد من التوترات بين الحكومة والمواطنين. يرى حمزة أن الخطط الأمنية يجب أن تكون محددة بشكل دقيق، وأن تُراعى فيها الحريات العامة التي يكفلها الإعلان الدستوري، مشددا على ضرورة تطبيق القوانين بما يحمي كرامة المواطنين ويحترم حقوقهم.
ختاما، إن التحديات التي تواجهها ليبيا تستدعي التركيز على توفير بيئة آمنة تعزز من قيم التعايش، بدلا من فرض قيود جديدة تزيد من استقطاب المجتمع. تحتاج السياسات الأمنية إلى توازن دقيق، بحيث تساهم في ضبط السلوكيات العامة دون المساس بحريات الأفراد، ولا شك أن التحدي الأكبر يتمثل في تحقيق هذا التوازن الدقيق بین حماية المجتمع وضمان حرياته