في زحمة الأزمات المتتالية التي يعاني منها المواطن، يقف مرضى ضمور العضلات وأسرهم أمام أزمة إنسانية تتفاقم يوماً بعد يوم؛ حيث يواجه هؤلاء المرضى حالة من الإهمال المستمر، الذي يهدد حياتهم بشكل مباشر. فبعد أن أعلن أهالي الأطفال المصابين بهذا المرض النادر عن تدهور حالتهم الصحية، لا يزال الوضع يتدهور، مع تفاقم نقص الأدوية والتأخير المستمر في العلاج الجيني الذي ينتظره الأهالي منذ فترة طويلة.
في سبتمبر الماضي، شهدت ليبيا وفاة ثلاثة أطفال نتيجة عدم تلقيهم العلاج المناسب، في حين لا تزال الأدوية الأساسية غير متوفرة في البلاد، ما جعل رابطة مرضى ضمور العضلات تصدر بياناً حزيناً وصارخاً بضرورة تحرك السلطات فوراً لإنقاذ أرواح الأطفال. وبحسب رئيس الرابطة، محمد أبو غميقة، فإن “أي شحنة من الأدوية المخصصة لعلاج مرضى ضمور العضلات لم تصل البلاد منذ بداية العام الماضي”، ما يجعل الوضع ينذر بالخطر.
ومنذ أشهر، يترقب المرضى وأهاليهم تحقيق وعود حكومة عبد الحميد الدبيبة منتهية الولاية، التي أعلنت، على لسان مسؤولين فيها، عدة تعهدات، تشمل إنشاء معمل للتحاليل الجينية داخل ليبيا لتسهيل التشخيص، وتخصيص مبالغ لإرسال الأطفال للعلاج في الخارج، وتوفير الأدوية بشكل منتظم. لكن بعد مرور أكثر من نصف عام على هذه الوعود، لم يرَ المرضى ولا أهاليهم أية خطوات فعلية، ليبقى الأمل مجرد سراب.
تجمع المرضى أمام مقر الحكومة في طرابلس قبل أشهر، حالمين بمقابلة المسؤولين، لعلهم يحصلون على إجابات عن تأخر تنفيذ هذه الوعود. إلا أن الاحتجاجات لم تلقَ استجابة تذكر، بل ازداد الوضع سوءاً، حيث أعلنت الرابطة لاحقاً وفاة ستة أطفال منذ الاجتماع مع الحكومة في أغسطس، بسبب عدم توفر العلاج الضروري.
يتجاوز عدد مرضى ضمور العضلات في ليبيا 739 شخصاً، ومعظمهم من الأطفال الذين يعانون من ألم مستمر وتدهور صحي يفوق قدرات الأهالي على التحمل، في ظل غياب أي خطط صحية من الحكومة لتوفير الرعاية المطلوبة. وغياب الدعم الطبي المخصص زاد من معاناة هؤلاء المرضى، حيث تتطلب حالتهم مراكز صحية متخصصة، ورعاية متواصلة تفتقدها ليبيا حالياً.
وتؤكد السيدة أروى عموش، والدة طفلة مصابة بمرض ضمور العضلات، أن تكاليف العلاج في الخارج باتت غير محتملة، مع انعدام مراكز العلاج المتخصصة داخل البلاد. “أصبحنا نعيش في رعب دائم على صحة أطفالنا”، تقول عموش، “ولا نجد إلا صدى أصواتنا يعيدنا لخيبة الأمل”.
رغم بعض الجهود المحدودة، مثل تعاقد جهاز دعم وتطوير الخدمات العلاجية مع مراكز طبية أوروبية، إلا أن هذه الخطوات لم تكن كافية لمواجهة التحديات الكبيرة. فالأطباء والمختصون يؤكدون أن التحليل الجيني ضروري لمعرفة أسباب المرض والتعرف على العلاج المناسب، ومع ذلك، فإن هذه التحاليل توقفت كلياً منذ مطلع العام الحالي، مما يعيق أي تقدم طبي.
يقول الدكتور أمحمد الغزالي، طبيب أمراض المخ والأعصاب: “العلاج ليس معجزة؛ الجين السليم متوفر، فقط نحتاج إلى إرادة جدية من الجهات المسؤولة لإنشاء مراكز متخصصة، وتوفير الأدوية بانتظام”. ويشير الغزالي إلى أن هناك عقبات بيروقراطية تحول دون ذلك، متسائلاً: “لماذا كل هذه المعاناة؟”.
على مدى سنوات، تتعالى الأصوات المطالبة بتحسين أوضاع مرضى ضمور العضلات، ولكن الحكومة تبدو متخاذلة عن اتخاذ أي إجراء ملموس. وتظل الإشكالية الأكبر أن الحكومة الليبية تكتفي بإصدار الوعود دون تنفيذ، بينما يفقد الأطفال حياتهم بسبب تأخير العلاج. يعتقد العديد من الأهالي أن الدولة لا ترى هؤلاء المرضى على أنهم من الأولويات، بل يظل مرضهم في دائرة التهميش، مما يشير إلى أزمة أخلاقية وإنسانية قبل أن تكون صحية.
ويشدد محمد أبو غميقة، رئيس رابطة المرضى، على ضرورة الالتفات لاحتياجات هؤلاء الأطفال، ويقول: “لا شيء أصعب من أن ترى طفلك يعاني كل يوم، بينما الدولة تصم آذانها”.
تزداد ضغوط المنظمات الأهلية وجمعيات حقوق الإنسان للضغط على الحكومة للاستجابة العاجلة لمطالب مرضى ضمور العضلات. يرى العديد من الناشطين أن هذه الأزمة تحتاج إلى قرارات سريعة وملزمة، بعيداً عن المماطلات السياسية والمصالح الضيقة. ويشير البعض إلى أن عدم وجود مركز متخصص يمكن إنشاؤه بموارد بسيطة إذا توافرت الإرادة، لكن يبدو أن الرغبة الحقيقية غير موجودة.
وبحسب الخبراء، فإن ليبيا تمتلك الكوادر المؤهلة لإنشاء مركز متخصص قادر على إجراء التحاليل الجينية وتوفير الأدوية الحديثة، لكن العائق الرئيسي يكمن في التجاهل الحكومي لاحتياجات هؤلاء المرضى.
بينما تكافح أمهات مثل السيدة عموش كل يوم لتأمين أدنى مقومات الحياة الكريمة لأطفالهن المرضى، يجدون أنفسهم أمام طريق مسدود يفرض عليهم الاستمرار في الصبر. ومع كل نداء يطلقه الأهالي من أجل دعم أبنائهم، يتجدد أمل بسيط بفتح نافذة من الرحمة. ورغم أن حكومة الدبيبة لم تبادر بعد إلى اتخاذ خطوات جادة، لا يزال الأهالي متمسكين بإيمانهم بأن الإنسانية ستتغلب في النهاية على كل تلك العوائق.