ليبيا الان

شرطة الآداب وفرض القوانين الأخلاقية.. بين حماية القيم وتقييد الحريات

مصدر الخبر / اخبار ليبيا 24

في خطوة أثارت جدلاً واسعاً، أعلن وزير الداخلية المكلف بحكومة الدبيبة منتهية الولاية، عماد الطرابلسي، عن استئناف عمل شرطة الآداب الشهر المقبل، بهدف مراقبة السلوكيات العامة وتنفيذ قوانين تفرض الحجاب وتقيّد الأزياء وتسريحات الشعر التي تتعارض مع الثقافة الليبية. تصريحات الطرابلسي دفعت بشخصيات محلية ودولية إلى التفاعل السريع، فبينما يدعم البعض هذه القرارات كخطوة لتعزيز الأخلاق العامة، يرى آخرون أن ذلك تعدٍّ سافر على الحريات الشخصية وتهديد لحقوق الإنسان.

تشهد ليبيا منذ عقود انقساماً حول مفهوم الهوية الثقافية، إذ يمتزج فيها الطابع المحافظ مع تأثيرات العولمة. جاءت تصريحات الطرابلسي في وقت تشهد فيه البلاد تحديات اجتماعية وأمنية معقدة، مما يضع القضايا الاجتماعية في الواجهة وسط نزاعات سياسية وعسكرية. يرى بعض المحللين أن هذه الإجراءات تعبر عن مخاوف المجتمع من تغريب القيم الثقافية، فيما يحذر آخرون من أن فرض القوانين الأخلاقية قد يقود إلى انتهاكات واسعة للحريات الفردية، خاصة في بلد يعاني من غياب الاستقرار التشريعي والقضائي.

التقى السفير الأوروبي لدى ليبيا، نيكولا أورلاندو، بوزير الداخلية الطرابلسي لمناقشة سياسات إنفاذ القانون، حيث تم التأكيد على التعاون بين الاتحاد الأوروبي وليبيا في مجالات الهجرة وأمن الحدود. وصرح أورلاندو بعد الاجتماع بأن الاتحاد الأوروبي ملتزم بتعميق الشراكة مع ليبيا، ولكن يجب احترام حقوق الإنسان والحريات العامة. الاجتماع أثار الجدل، حيث رأى بعض المراقبين أن الأوروبيين يسعون لحماية مصالحهم في ليبيا تحت مظلة الدفاع عن حقوق الإنسان.

لم تقتصر الانتقادات الدولية على الاتحاد الأوروبي؛ فقد صرح السفير البريطاني لدى ليبيا، مارتن لونغدن، بأنه أجرى محادثات صريحة مع الطرابلسي حول القضايا الأمنية والحقوقية، معبراً عن قلقه من تقييد الحريات. لونغدن أشار إلى ضرورة مراعاة حقوق وحريات المواطنين الليبيين ضمن إطار التقاليد الليبية دون الإضرار بحرياتهم الفردية، واصفاً التدابير المقترحة بالمتشددة التي قد تفتح باباً لقمع الحريات الأساسية.

داخل ليبيا، تصاعدت الأصوات الرافضة لموقف الطرابلسي، حيث وصفت الخبيرة القانونية ثريا طويبي هذه الإجراءات بأنها غير دستورية وتتنافى مع القوانين الليبية. وأضافت أن فرض شرطة الآداب بتلك الطريقة يعد تعدياً على الحقوق الشخصية، معتبرة أن التدخل في الأزياء والشعر يفتح المجال لتجاوزات كبيرة. كما أشارت طويبي إلى خطورة ربط مكافحة المخدرات بالتضييق على الحريات، معتبرة أن التركيز على قضايا الملابس يشتت الانتباه عن قضايا أهم، مثل تهريب المخدرات عبر الحدود.

وفي ذات السياق، أصدرت منظمة العفو الدولية بياناً انتقدت فيه تصريحات الطرابلسي، مؤكدة أن هذه التوجهات تشكل “تصعيداً خطيراً في مستوى القمع”. ودعت المنظمة الحكومة الليبية إلى احترام التزاماتها الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان وتجنب فرض قيود متشددة على المواطنين.

رغم الانتقادات، لم يخلُ المشهد من أصوات مؤيدة لتوجهات الطرابلسي. حيث أعلن أمين بحوث دار الإفتاء، سامي الساعدي، تأييده لهذه الإجراءات، مشدداً على أهمية الحفاظ على القيم الأخلاقية وحماية الأسرة الليبية من “محاولات الإفساد”. ودعا الساعدي إلى تقدير كل من يُظهر حرصاً على القيم المجتمعية، في حين طالب بعدم تسييس القضية. تصريحات الساعدي قوبلت باستنكار من قبل بعض الليبيين، الذين رأوا أن تسييس القضايا الأخلاقية يعتبر تدخلاً مفرطاً في شؤون المواطنين الخاصة.

يرى عدد من المحللين أن فرض الحجاب وقوانين الأخلاق عبر شرطة الآداب قد يزيد من حالة الاستقطاب في المجتمع الليبي، بين مؤيدين للمحافظة على الطابع الإسلامي المحافظ، ومعارضين يعتبرون ذلك انتهاكاً واضحاً للحقوق الشخصية. وفي ظل انتشار منصات التواصل الاجتماعي، لم تتوقف النقاشات، حيث عبّر العديد من النشطاء عن مخاوفهم من أن يصبح المجتمع الليبي في حالة من الرقابة الشديدة التي تهدد حرية التعبير، محذرين من أن تصعيد القمع الأخلاقي قد يزيد من وتيرة هجرة الشباب الليبي الباحث عن حرية أوسع.

في سياق قانوني، يعتبر تدخل وزير الداخلية في سن قوانين أخلاقية تحدياً مباشراً لفصل السلطات، حيث تشير تحليلات قانونية إلى أن المهام التشريعية من اختصاص السلطة التشريعية. ويرى بعض المراقبين أن محاولات الطرابلسي لفرض هذه القوانين تعكس أزمة ثقة بين الحكومة والمجتمع الليبي، إذ يعتقد المسؤولون أن ضبط الأخلاق العامة يأتي عبر الرقابة والقوة. أما النقاد، فيرون أن التحديات الاجتماعية الحقيقية تتطلب معالجة جذرية عبر التعليم والتثقيف، بدلاً من فرض قيود قانونية.

بين مؤيد ومعارض، تستمر ليبيا في مواجهة قضايا شائكة حول التوازن بين حماية القيم المجتمعية وضمان الحريات الشخصية، حيث يظل المشهد الليبي تحت رقابة المجتمع الدولي وسط تحذيرات من تأثير القرارات المتشددة على حقوق الإنسان. يجدر بالحكومة الليبية إعادة النظر في سياساتها لتجنب التضييق على حرية المواطنين، وضمان انسجام القوانين مع الأعراف والتقاليد دون المساس بالحقوق الفردية.

يمكنك ايضا قراءة الخبر في المصدر من اخبار ليبيا 24

عن مصدر الخبر

اخبار ليبيا 24