في خطوة لافتة أطلق وزير الداخلية المكلف بحكومة الدبيبة المنتهية ولايتها، عماد الطرابلسي، تصريحات عن نيته تأسيس ما أطلق عليه “شرطة الأخلاق“، مما أثار جدلًا واسعًا حول الدوافع الحقيقية وراء هذا التصريح. فعلى الرغم من الطابع الأمني الظاهر لهذه الخطوة، إلا أن المراقبين، وعلى رأسهم المحلل السياسي عز الدين عقيل، يرون أن هذا الحديث يندرج في إطار مناورة سياسية تهدف إلى تحقيق مكاسب ميدانية واستقطاب جماعات مسلحة ذات توجهات دينية. فما هي أبعاد هذه التصريحات؟ وهل يقود الطرابلسي طرابلس نحو صراع محتمل مع الأطراف المتنافسة؟
في ظل الوضع الأمني والسياسي المتوتر الذي يسيطر على العاصمة طرابلس، برزت تصريحات الطرابلسي الأخيرة كتعبير عن تصاعد حالة التوتر بين الأطراف المسلحة المتنافسة. فوفقًا لما أفاد به المحلل السياسي عز الدين عقيل، في مداخلة تلفزيونية تابعتها “أخبار ليبيا 24” تعكس تصريحات الطرابلسي توترًا سياسيًا يغلب عليه الطابع الديني، حيث يسعى الطرابلسي لجذب الجماعات المسلحة السلفية لتأييده في مواجهة أطراف أخرى في طرابلس، منها كيانات قوية ومؤثرة ذات قاعدة جماهيرية وقدرات عسكرية تفوق قدراته.
تأتي هذه الخطوة في سياق متوتر يشهد تجاذبات حادة بين الحكومة منتهية الولاية برئاسة عبد الحميد الدبيبة والعديد من الشخصيات البارزة التي تتقلد مناصب تنفيذية في الحكومة. يظهر صمت حكومة الدبيبة تجاه هذه التصريحات كعلامة على خوف من تداعيات الانتقاد العلني لأحد أقوى حلفائها داخل العاصمة.
يرى عز الدين عقيل أن الطرابلسي ربما يسعى من خلال هذه التصريحات إلى استقطاب دعم الجماعات المسلحة السلفية، كخطوة لتحسين موقفه في حال تصاعد الصراع في طرابلس. فقد أشار عقيل إلى أن طرح فكرة “شرطة الأخلاق” بمثابة مغازلة لهذه الجماعات، والتي ربما تسعى لدعم الطرابلسي في مواجهة محتملة مع الكيانات المنافسة. ومع تزايد الانقسامات الداخلية بين الفصائل المسلحة، قد تعني هذه الخطوة إعلانًا ضمنيًا عن توجه طرابلس نحو نمط أكثر دينية في السياسة.
بالنسبة لحكومة الدبيبة، يأتي صمتها كرد فعل محسوب؛ حيث تجنبت التعليق على هذه التصريحات خوفًا من أن يؤدي انتقاد الطرابلسي علنًا إلى تفاقم الانقسامات داخل الحكومة نفسها. يرى عقيل أن حكومة الدبيبة تجد نفسها في موقف معقد، حيث تحتاج إلى التوازن بين التمسك بتحالفها مع الطرابلسي وبين التمسك بطابعها المدني المعتدل الذي تحاول الترويج له أمام المجتمع الدولي.
فالطرابلسي، الذي أبدى استعدادًا للعمل بحرية ويستخدم قاعدة دعم عسكري متينة، أصبح يمثل عنصر قوة مستقل داخل الحكومة، وهو ما يخلق تحديًا للدبيبة الذي قد يجد نفسه مجبرًا على تقديم تنازلات لحماية استقرار حكومته من التفكك.
أشار عقيل إلى أن فكرة شرطة الأخلاق ليست جديدة، حيث تمثل نوعًا من الانحراف عن دور الشرطة التقليدية. ففي الفترة الملكية السابقة، لم تكن هناك شرطة مخصصة لملاحقة الأخلاقيات في الأماكن العامة أو المقاهي. وهذا يجعل تصريح الطرابلسي يوحي بأن الحكومة قد تتجه نحو خلق مؤسسة ذات توجه ديني صارم، يتجاوز الطابع العلماني الذي اتسمت به ليبيا لعقود.
تأتي تصريحات الطرابلسي كجرس إنذار حول مستقبل التوازن بين الدين والسياسة في ليبيا. فمع انخراط الجماعات المسلحة ذات التوجهات الدينية في السياسة الداخلية، يبقى السؤال حول قدرة حكومة الدبيبة على إدارة تحالفاتها بدون تنازلات قد تغير من طبيعة ليبيا الاجتماعية والسياسية. على الرغم من أن الحديث حول “شرطة الأخلاق” يراه البعض مجرد مناورة سياسية، إلا أن التداعيات المحتملة قد ترسم ملامح صراع جديد يضيف إلى تعقيدات المشهد الليبي.