في مشهد سياسي واقتصادي متشابك، تبرز تصريحات عضو مجلس النواب عبد المنعم العرفي كنافذة تفتح المجال لفهم تعقيدات القرارات المصرفية وملفات الاستقرار السياسي التي تثير الجدل في البلاد. بين تأكيدات على ضرورة تصحيح المسارات الاقتصادية وانتقادات لاذعة لزميله زياد دغيم، يتجلى مشهد يعكس حالة الانقسام داخل المشهد السياسي.
أكد العرفي أن فرض الضريبة على النقد الأجنبي، الذي كان بمبادرة من المحافظ السابق الصديق الكبير، جاء بموافقة واضحة ومسبقة من رئاسة مجلس النواب، بناءً على مبررات اقتصادية مفصلة. إلا أن المحافظ الحالي، ناجي عيسى، دعا إلى خفض هذه الضريبة إلى 15%، مشددًا على ضرورة تقديم مذكرة تفصيلية تبرر القرار وتوضح الأسباب بشكل شامل، لضمان صحته وخلوه من أي شوائب.
العرفي أشار إلى أن خبراء المصرف المركزي يعملون حاليًا على إعداد هذه المذكرة، معتبرًا أن أي خطوة غير مدروسة قد تؤدي إلى خلل في البنية المالية للدولة. وأوضح: “لا يمكن القول إن إجراء الصديق الكبير كان خاطئًا بالكامل، بل ربما يحتاج إلى تصحيح تدريجي وليس إلغاءً جذريًا.”
هذا الموقف يعكس توازنًا دقيقًا بين الالتزام بإصلاح المنظومة النقدية، وتجنب القرارات المفاجئة التي قد تزعزع الاقتصاد، خصوصًا في ظل أزمات سياسية وأمنية تؤثر على الاستقرار العام.
على الصعيد السياسي، لم يتوانَ العرفي عن توجيه انتقادات حادة لزميله المقال من مجلس النواب ومستشار رئيس المجلس الرئاسي زياد دغيم، متهمًا إياه بعرقلة جهود تحقيق الاستقرار دون تقديم مبررات واضحة. واصفا دغيم بأنه “معارض دائم لكل شيء”، مشيرًا إلى أن هذا النهج يعطل المساعي الرامية إلى إجراء الانتخابات المعلقة.
هذه التصريحات تكشف عن الانقسامات العميقة التي تساهم في إطالة أمد الأزمة السياسية. فبينما تسعى بعض الأطراف إلى دفع عجلة الانتخابات لتحقيق الاستقرار، يقف آخرون في مواجهة هذه المساعي، مما يزيد من تعقيد المشهد
إن تصريحات العرفي، سواء المتعلقة بالضريبة أو بالشأن السياسي، تعكس تحديات عميقة تواجه ليبيا. فمن جهة، تعاني البلاد من انقسام مؤسساتها المالية بين شرق وغرب، ما يضعف فعالية أي قرار اقتصادي. ومن جهة أخرى، تعيق الخلافات السياسية تقدم العملية السياسية، مما يترك ليبيا عالقة في دائرة مفرغة من الأزمات.
تخفيض ضريبة النقد الأجنبي قد يكون خطوة ضرورية لتخفيف العبء على المواطنين وتعزيز النشاط الاقتصادي، لكنه يتطلب توافقًا على آلية تنفيذية تضمن الشفافية وتحقيق الأهداف المرجوة. أما في المشهد السياسي، فإن نجاح الانتخابات يحتاج إلى تجاوز المصالح الشخصية والتركيز على مستقبل البلاد.
تصريحات العرفي تقدم رسالة واضحة: الإصلاح الاقتصادي يحتاج إلى دراسة وشفافية، بينما يتطلب الاستقرار السياسي تجاوز الخلافات الداخلية. وفي بلد يعاني من الانقسام منذ أكثر من عقد، يبدو أن الحلول لن تأتي بسهولة، لكنها تستدعي إرادة جماعية لتحقيق التغيير.