وسط أزمات متشابكة وحالة من الانقسام التي أرخت بظلالها على المشهد السياسي، تبرز تصريحات عضو مجلس النواب عبد المنعم العرفي، لتلقي الضوء على طبيعة المعضلات التي تواجه البلاد. يشير العرفي إلى أن ليبيا تمر بمنعرج تاريخي خطير يتطلب مقاربة شاملة تعيد بناء الدولة عبر معالجة ملفات الأمن والسياسة والمصالحة الوطنية.
من قلب العاصمة طرابلس، التي يفترض أنها مركز صنع القرار وقوة الدولة، تتبدد السلطة تحت وطأة الميليشيات المسلحة التي تحكم قبضتها على المؤسسات وتسيطر على مفاصل الدولة. هذا المشهد المتشظي يجعل استعادة العاصمة إلى حضن الدولة مسألة شائكة لا تتحقق إلا من خلال نزع السلاح وحصره بيد المؤسسة الأمنية الشرعية.
وفي المقابل، يشيد العرفي في تصريحات صحفية رصدتها “أخبار ليبيا 24″، بالأوضاع الأمنية المستقرة في برقة وفزان، حيث يبرز نموذج إيجابي قد يلهم المناطق الأخرى في البلاد. إلا أن العرفي يؤكد أن الاستقرار الجزئي في بعض المناطق لا يغني عن الحاجة الملحة لتوحيد المؤسسة الأمنية على مستوى البلاد ككل.
على صعيد المصالحة الوطنية، يوضح العرفي أن الشق الاجتماعي يسير بخطى ثابتة، مع تحقيق تقدم في تهدئة النسيج المجتمعي الذي تعرض لهزات عنيفة جراء الصراعات. ومع ذلك، فإن الشقين السياسي والأمني يظلان حجر عثرة أمام استكمال المصالحة، حيث تعاني البلاد من انقسامات سياسية عميقة، أبرزها التوتر بين حكومة الوحدة الوطنية، البرلمان، والمجلس الرئاسي.
يشير العرفي إلى أن المجلس الرئاسي لم يتمكن من احتكار ملف المصالحة الوطنية رغم تكليفه بهذا الدور وفق اتفاق جنيف. ويعتبر أن هذه المهمة مسؤولية تضامنية لجميع الأطراف، ما يفرض تجاوز الصراعات السياسية لمصلحة استقرار البلاد.
في ظل الأوضاع الراهنة، لا تغيب عن المشهد التدخلات الأجنبية التي تهدف إلى استغلال الثروات الليبية وتوظيف الصراع الداخلي لصالح أجنداتها. يرى العرفي أن الليبيين أنفسهم يتحملون مسؤولية الوضع الراهن، حيث أدى الانقسام الداخلي إلى استدعاء التدخل الخارجي، مما جعل البلاد رهينة لسياسات القوى الدولية.
طرح العرفي فكرة تمكين رئيس قوي يقود البلاد نحو الاستقرار، حيث يرى أن وجود قيادة مركزية قادرة على فرض القانون وإدارة المؤسسات بكفاءة قد يكون مفتاحاً لحل الكثير من المشكلات، بدءاً من الأمن وصولاً إلى الاقتصاد.
ختم العرفي تصريحاته بدعوة الليبيين للاعتراف بالأخطاء التاريخية التي أوصلت البلاد إلى هذه المرحلة الحرجة. فالاعتراف بالتقصير وتحمل المسؤولية الجماعية هما الطريق الوحيد لإعادة بناء ليبيا بعيداً عن الإقصاء أو الانتقام.
ليبيا اليوم أمام فرصة لإعادة ترتيب أوراقها، لكن نجاح هذه المهمة يعتمد على إرادة سياسية موحدة، ومصالحة شاملة، ومعالجة جذرية للملف الأمني. بدون ذلك، ستظل البلاد تدور في دوامة من الأزمات، رهينة لتدخلات خارجية وصراعات داخلية لا تنتهي.