في خطوة أثارت تباينًا في ردود الفعل داخل ليبيا، أعلن مجلس النواب عن تخفيض الرسوم المفروضة على شراء العملات الأجنبية من 20% إلى 15%. هذه الخطوة تأتي في إطار سعي السلطات إلى تحقيق استقرار اقتصادي وتحسين الظروف المعيشية للمواطنين، لكنها في الوقت ذاته تثير العديد من التساؤلات حول فعاليتها وتأثيراتها بعيدة المدى.
منذ تنفيذ القرار، شهد سعر الدولار تراجعًا طفيفًا أمام الدينار الليبي في السوق السوداء، حيث بلغ 6.05 دنانير مقارنة بالسعر الرسمي الذي سجل 5.61 دنانير مع احتساب الرسم الجديد. ومع ذلك، يرى مواطنون أن الانخفاض الطفيف لم ينعكس بشكل واضح على أسعار السلع والخدمات اليومية، ما يثير شكوكًا حول مدى قدرة هذا الإجراء على تحقيق أهدافه المنشودة.
وقال أحد المواطنين: “رغم الخفض التدريجي للرسوم، فإن الأسعار ما زالت بعيدة عن متناول كثير من الليبيين، خاصة أبناء الطبقة الوسطى”.
يرى المحلل الاقتصادي محمد الشيباني أن الخفض التدريجي للرسوم يعكس حرص السلطات على تجنب صدمة اقتصادية مفاجئة. وأوضح أن هذه السياسة تتماشى مع توجهات الإدارة الجديدة لمصرف ليبيا المركزي بقيادة ناجي عيسى، التي تهدف إلى تقليل تداعيات الأزمة الاقتصادية وتحقيق توازن بين العرض والطلب في سوق النقد الأجنبي.
وأضاف الشيباني: “لن يكون هناك انخفاض فوري في الأسعار، إذ أن تأثيرات القرار تعتمد بشكل كبير على جهود الأجهزة الأخرى، مثل ضبط السوق السوداء ومراقبة الأسعار في الأسواق”.
من ناحية أخرى، حذر أستاذ الاقتصاد طارق الصرماني من أن خفض الرسوم قد يؤدي إلى زيادة الضغط على احتياطيات المصرف المركزي من العملات الأجنبية. وقال: “هناك طلب متزايد على العملات الأجنبية منذ التخفيض الأول للرسم من 27% إلى 20%، مما قد يؤثر سلبًا على استدامة المخزون النقدي إذا لم تُتخذ خطوات موازية لتعزيز الاحتياطات”.
وأشار الصرماني إلى أن العجز في ميزان المدفوعات حتى نهاية أكتوبر بلغ 3.8 مليارات دولار، ما يضيف تحديًا جديدًا أمام السلطات النقدية.
ضمن حزمة الإجراءات المصاحبة للقرار، دعا مصرف ليبيا المركزي المصارف التجارية إلى تسهيل فتح الاعتمادات المستندية لجميع الأغراض، وهو إجراء يهدف إلى تحسين تدفق السلع والخدمات في الأسواق المحلية. إلا أن خبراء يتساءلون عن قدرة المصرف على تحمل التكاليف المرتبطة بهذا الإجراء، خاصة في ظل ضعف الموارد المتاحة وارتفاع معدلات التضخم، التي بلغت 2.7% خلال الربع الثالث من 2024 وفق بيانات المصرف المركزي.
يرى مراقبون أن تأثير قرار خفض الرسوم على الأسعار يعتمد على عدة عوامل، أبرزها دورة الاعتمادات المستندية الطويلة التي تصل إلى 40 يومًا للوصول بالسلع إلى الأسواق المحلية. ويقول أحد الموردين: “حتى إذا استقر سعر الصرف، فإن دورة الاستيراد الطويلة تعني أن التأثير الفعلي على الأسعار لن يظهر إلا بعد فترة طويلة”.
مع تصاعد النقاش حول خفض الرسوم، يتبين أن المشكلة ليست فقط في أسعار الصرف، بل في غياب رؤية اقتصادية شاملة تعالج الاختلالات الهيكلية التي يعاني منها الاقتصاد الليبي. فبين تفاؤل المواطنين بانخفاض الأسعار وتحذيرات الخبراء من تداعيات القرار على احتياطيات النقد الأجنبي، يبقى السؤال الأهم: هل يتمكن صناع القرار من تحقيق توازن بين الإصلاح الاقتصادي وحماية الاستقرار المالي؟
تظهر هذه التطورات حاجة ماسة إلى إجراءات أكثر شمولية، تشمل تعزيز الإنتاج المحلي، الحد من الاعتماد على الواردات، وتشديد الرقابة على السوق السوداء. كما يتطلب الوضع تعاونًا وثيقًا بين السلطات التشريعية والتنفيذية لضمان تنفيذ إصلاحات جذرية تعيد الثقة إلى الاقتصاد وتحقق الاستقرار المنشود.